الأردن أمام ملفات مقلقة بحاجة إلى حسم
رنا الصباغ
19-12-2012 05:01 AM
مع بدء العد التنازلي لإجراء الانتخابات النيابية، وإطلاق حملات الترويج لكسب عقول الناخبين وأفئدتهم، يقود الملك سلسلة لفتات سياسية ولقاءات مع نشطاء سياسيين وحراكيين، على أمل تغيير مزاج الشارع وتشجيع الأردنيين على إسناد الإصلاحات السياسية من خلال المشاركة في الاقتراع. ويتطلع صنّاع القرار إلى ترسيم حدود الحكومة البرلمانية المقبلة التي يؤمل أن تصمد لأربع سنوات -عمر مجلس النواب- ما لم تنشأ ظروف جديدة تدفع باتجاه حل مبكر للمجلس بعد تعديل قانون الانتخاب وتشكيل نواة لتيارات حزبية تمثل اليسار، والوسط، واليمين.
من حق صانع القرار الأول عمل المستحيل لتشجيع الإقبال، وفتح فصل ثان على طريق الإصلاح الذي تباطأ كثيرا خلال العقد الماضي، حتى مس صدقية النظام السياسي وكشف عوار الخطاب الرسمي المفصوم بين الوعد والتنفيذ. ومن حق المواطن أن يشارك أو يقاطع.
الأهم، هو أن لا تحيد بوصلة المفكرين، والسياسيين، والمسؤولين، والحزبيين، والمواطنين عن قضايا مفصلية يجب التوافق حولها، إن أريد للأردنيين طي صفحة الماضي مع كل هواجسها وتحدياتها وعثراتها؛ وغالبيتها نتاج غياب استراتيجية ورؤى لدى السلطة والمعارضة، بما فيها القوى الإسلامية المؤثرة التي تتحمل أيضا مسؤوليتها عن إخراج أسوأ ما لدى الحكومة من أفكار وحلول ترقيعية. وقد يكون من المفيد تشكيل لجنة ملكية تمثّل "موزاييك" المجتمع وألوانه السياسية والثقافية والاجتماعية، على أن تجتمع في خلوة متواصلة بعد الانتخابات لتقرر شكل الأردن الجديد الذي تريده غالبية الشعب، وترصف الطريق الأقصر إلى المحطة النهائية. فلدينا ملفات مقلقة بحاجة إلى حسم لكي نخرج من الحلقة المفرغة، من بينها:
- العلاقة بين المكونين الرئيسيين للمجتمع؛ الأردنيين من أصول شرق أردنية ومن أصول فلسطينية، بطريقة تخاطب مخاوف الطرفين، وتحقّق أحلامهما بمستقبل أكثر أمنا واستقرارا، وتسمح بتحديد الهوية والانتماء.
- هل نريد الإبقاء على مفهوم الدولة الريعية التي تكسب الولاء من خلال وظائف غير منتجة، وامتيازات ومكارم، أم نريد الانتقال إلى دولة الحداثة، وعمادها المساواة في الحقوق والواجبات بدون منّة من أحد على الآخر، إلا بمقدار ما ينتج ويدفع من ضرائب ويلتزم بالقانون مقابل مسؤول خاضع لمساءلة البرلمان ومراقبة المجتمع المدني والإعلام؟ فالمواطنة كفيلة بحل أزمة الهوية السياسية وإنهاء الخلاف الأزلي بين الجغرافيا والديموغرافيا، بانتظار حل القضية الفلسطينية. هل نحن دولة قادرة على استيعاب مواطنيها كافة، ممن يحملون أرقاما وطنية بغض النظر عن المنبت، والدين، والعرق؟
- فك الاشتباك والعداء بين القطاعين الخاص والعام، وتحديد هوية وشكل النظام الاقتصادي المطلوب، مع ترشيد القطاع العام وزيادة فعاليته بدلا من تخصيص غالبية الإنفاق لرواتب الموظفين وتقاعدهم. الأردن يتبع وصفات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي منذ العام 1989، بما فيها الخصخصة وتغيير آليات الدعم... إلخ، ضمن برامج وافق عليها برلمان كان يضم في عضويته الإخوان المسلمون كأكبر كتلة برلمانية، تقود اليوم المعارضة ضد قرار رفع أسعار المحروقات.
- هل نريد التحول إلى دولة قائمة على أسس المجتمع المدني أم على أمجاد الماضي؛ متقوقعة على نفسها تتصارع مع الحداثة، ومع الغرب؟ فيما تكره غالبية شعبها كل من لا يفكر أو يأكل أو يلبس مثلها، ولا تقبل التعددية السياسية والثقافية، ولا تقر بمساواة المرأة مع الرجل، أقلّه لجهة الحقوق القانونية. مجتمع يكفّر كل من يختلف معه ومن لا يقبل التراجع عن الاستثناءات الفردية.
هل نحن دولة قادرة على أن تكون لديها علاقات وازنة مع إسرائيل، تحتل منصبا مهما في حلف الناتو، وترسل جنودا إلى مناطق التوتر مثل أفغانستان، بدون أن تخفي المعلومات عن شعبها لكي لا تثير حساسيته، وتواجه معضلة التعامل مع التزاماتها مع حلف الناتو في مواجهة السيناريوهات السياسية والعسكرية في وجه نظام الأسد في سورية؟
إن لم نحل إشكالية الدولة التي نريد، فلن نستطيع الاتفاق على تعديل قانون الانتخابات، وحدود الحكومة البرلمانية، وغيرها من القضايا الملحة.
وعلينا الاتفاق على نقطة الالتقاء: الدستور كأب لجميع القوانين، وعلى شرعية النظام الهاشمي كجامع للأردنيين كافة، ثم نختلف حول أي شيء آخر.
لنسمِ الأشياء بأسمائها، ولا مانع من تعديل الميثاق الوطني وطرحه على استفتاء عام ليكسب الشرعية ويحصّن الدولة أمام جبال من التحديات الداخلية والخارجية، كلما انفتحت سيرة الإصلاح السياسي، والاقتصادي، والاجتماعي، والتعليمي المطلوب.
فهل يعلق الملك عبدالله الثاني الجرس مستفيدا من وعي مواطنيه، وقبول الغالبية بالمظلة الهاشمية فوق الجميع، وخشيتهم من التغيير المفاجئ تحت ضغط الشارع، لكي لا يذوقوا مرارة الاضطرابات السياسية في دول الجوار مثل مصر، حيث تتشكل دكتاتورية جديدة باسم الدين محل دكتاتورية العسكر، أو سورية النازفة، أو تونس التائهة؟ هل سيحاول معالجة هذه التناقضات التي استعملت لعقود ضمن سياسة فرق تسد، واللعب على المخاوف والغرائز للإبقاء على سياسة الأمر الواقع. ربما تشجّع موجة الاحتجاجات الأخيرة، والشعارات التي خرقت السقف، والتمادي على القانون، وتنامي فجوة الثقة بين الشارع والسلطة، على استنهاض المسؤولين من سباتهم العميق وإخراجهم من حال إنكار الذات إلى الإقرار بوجود عقد متراكمة، لا بد من فكّها لكي نتقدم نحو المستقبل المنشود.
rana.sabbagh@alghad.jo
الغد