عمون- (1). الأسبوع الفائت كان حافلا , فالصالونات ما تزال مشغولة بمعلومات سربها « حراكيون» من خلفيات يسارية إثر لقائهم بجلالة الملك في منزل أبرز وجوه ما يعرف ب» الرأسمالية الوطنية « وهو مصطلح روج له مؤخرا في مواجهة رأس المال الأجنبي والخصخصة , الدكتور رجائي المعشر , والشق الإقتصادي كان الأبرز في التسريبات , والتي على الأغلب ذهبت الى تحليل المعلومات التي تم تداولها في اللقاء كما يراها « اليسار « خصوصا فيما يتعلق بالسياسات الإقتصادية والخصخصة والفساد , وإزاء ذلك كله هناك وجهات نظر مختلفة وهي بلا شك أوسع نطاقا من تلك التي يحملها تيار أو إثنان محددان .
بينما هناك من يرى أن الحل في المشكلة الإقتصادية وبدء خطوات حقيقية في مرحلة الإعتماد على الذات تتمثل بتشجيع مزيد من الإستثمارات عبر إحداث تغييرات جوهرية على مجموعة القوانين التي تعيق تقدمها لمواجهة مهددات إجتماعية وسياسية خطرة وهي تلك المتمثلة بأفواج الخريجين المتدفقين الى سوق العمل سنويا ويناهز عددهم ال60 ألفا من شابات وشباب الأردن , وهي أعداد ليس بإمكان القطاع العام إستيعابه حتى لو تحولت الدولة الى دولة إشتراكية 100% , وهو ما يدفع بالمقابل الى السعي لإيجاد أسواق خارجية لهذه الأعداد الكبيرة أبرزها أسواق الخليج التي سيحتاج الدخول اليها الى ما هو أكثر من الغزل السياسي وحديث ممل عن الروابط التاريخية على أهميته , لكنه لا يمكن أن يتم الا بتشجيع لغة المصالح المشتركة والتشابك الإقتصادي بدلا من العتب الممجوج وكلام عن أوراق لا قيمة لها في عالم متغير ويتغير بسرعة تتجاوز القدرة على التقييم فما بالك بكفاءة الإستيعاب والتتبع .
المهم هو أن مناقشة القضايا الإقتصادية في ملفاتها الساخنة ووجهات النظر المتعددة حولها لا يمكن أن تشبعها لقاءات ولا حتى حوارات ثنائية بقدر ما سيخدمها مؤتمر وطني عام يدخل الى عمقها تتواجه في الأراء حتى الأكثر تطرفا منها لتخرج بصيغ توافقية تصوغ مستقبل الأردن الإقتصادي بعيدا عن مستنقعات التخطيء والإتهامات المعلبة والهمز واللمز .
(2) . لفت الإنتباه في الأسبوع الفائت صدور تقرير الفساد وفيه مرتبة الأردن وهو ما جرى تحليله بوجهات نظر عدة , لكنها أغربها تلك التي أخذت التقرير كدليل ساطع على غرقنا حتى الأذنين في مستنقع الفساد , وبالتزامن قرر جلالة الملك تشكيل لجنة للنزاهة الوطنية ستضع في وقت قصير نسبيا مصفوفة واسعة تحدد مبادىء وأسس للنزاهة الوطنية .
في الخلفية كان هناك أكثر من تقرير في وسائل إعلام محلية وعربية تناولت تقرير القساد , لكن بتركيز أكبر على واقع الأردن بإستحضار مقصود للافتات وشعارات رفعتها وما تزال بعض الحراكات حول قضايا فساد بعينها في مشهد لم يخلو من غمز ولمز وربط تصادفي بين هذه الملفات وبين من يمنع فتحها ويعطل حسمها دون أن تذكره , وفيما إعتبرتها التحدي الأول الذي يواجه الأردن , كانت هذه التقارير تتوغل أكثر في دعم هذا الإعتبار بأن الفساد متجذر لدرجة ربطه بالمديونية بإعتبار أن الدين العام هو نتيجة للفساد ونهب الثروات وسياسات الخصخصة التي بيعت فيها الشركات والمقدرات بدنانير بينما تتجاوز في قيمها عشرات المليارات وهو الرقم ذاته الذي يذكر كلما تذكر المديونية يتبعه حديث مكرور يضع إستعادة الشركات والمقدرات والثروات المنهوبة !! في مرتبة الحل السحري والمنقذ لمشكلة المديونية والبطالة والفقر .
بقدر ما نحتاج الى مؤتمر وطني عام يناقش القضايا الإقتصادية في ملفاتها الساخنة ووجهات النظر المتعددة حولها , ننتظر الممؤتمر الوطني العام الذي سيناقش توصيات ومصفوفة لجنة النزاهة الوطنية بما يقود الى مبادىء تتوافق على معايير مؤسسية متوازنة ترسخ العدالة والمساءلة وتعيد الثقة الى الإدارة العامة , يؤكد على الواجب الأخلاقي والمهني في عدم السماح باغتيال الشخصيات ويدفن مستنقع الإتهامية والإدانة المسبقة ويعيد ماكينة التصدي للفساد إلى مكانها الطبيعي كما هو في كل دول العالم المتمدن وهو القضاء كمرجع أول وأخير تحظى قراراته بالثقة والتقدير. "الرأي"
qadmaniisam@yahoo.com