من أسرار توقيع اتفاق التهدئة حول حماس
د.مهند مبيضين
18-12-2012 04:24 AM
الرئيس مرسي كان على أشد الحرص بأن يُثبت بأنه أفضل من سابقه، وأنه لن يخذل الأمريكان الذين توسموا به كل خير، هيلاري كلينتون كانت وصلت القاهرة، بعد تعسر التوقيع للمرة الأولى، التقت مرسي واقنعته بعدم الذهاب لقمة اسلامية في باكستان، وفيما الدكتور مرسي كان يشتهي إلقاء خطاب فيها لعله يعيد فيه شرح افكار أبي الأعلى المودودي ويطرح النموذج المصري الجديد للإسلام الجديد، فقد انتصرت ضغوط هيلاري على طموحاته في الاتجاه شرقا واستجاب لها، فالصيد كان ثميناً.
وحده مرسي الذي اختلف عن الأدوات القديمة في مصر مبارك، فضباط المخابرات المصرية أنجزوا التفاوض مع نظرائهم في اسرائيل، كالعادة، ووقع الطرفان بعد الجهد الكبير لهيلاري بالضغط على نتنياهو. أما مرسي فكان يراقب ما يجري، فالتفاوض خبرة اجهزة الدولة وليس الاكاديميين، وفي ذلك الوقت كان وفد تركي وقطر حاضرين في كل التفاصيل لكن بدون أدوار او أي جهد أو مهمات، ويضاف لهما الوفد الامريكي، الذي رافق هيلاري ووصل معها يوم 20/11/ 2012، أما سفير فلسطين في القاهرة د . بركات الفرا فحُرم من أي دور، واكتفى بان اتصل بالخارجية المصرية التي ابلغته بتمام الاتفاق ليُبلغ بنهاية، وهذا ما حدث، عندما اتصل بالرئيس عباس لزف الخبر له هاتفيا.
أُبرم الاتفاق، بعد ان انفض اكثر من اجتماع له دونما توقيع، واصرت قطر وتركيا على أن يوجه لهما الشكر على جهودهما، ليضاف إلى الجهد المصري، ومع أن دواخل المطبخ المصري الأمنية كانت رافضة، لأن الطرفين لم يقدما شيئا سوى الإقامة بفنادق القاهرة، بيد أن الرئيس مرسي قبل بإيراد دولة قطر وتركيا في صيغة الشكر الذي اعلن في نهاية البيان، أما الطرف الفلسطيني والممثل بخالد مشعل ابو الوليد فقد تنقل عدة مرات في القاهرة ليقابل مرسي ورجال المخابرات ومعه في القاهرة كان متواجدا رمضان شلح.انزعجت المخابرات المصرية من أمرين في سلوك قادة حماس، الأول برودة اعصاب قيادات حماس وتأنيهم، والذي يُفسر على أنه رغبة منها بإطالة عمر الحرب الأخيرة لتحصل الحركة وغزة على مكاسب أكثر وهو ما حصل فعلا بالحصول على اتفاق تهدئة طويل الأمد نسبيا بالإضافة لكسر الحصار.
والسبب الثاني لمبعث الانزعاج المخابراتي المصري، هو أن خالد مشعل يأتي ويقول لقادة الجهاز:» أنا حكيت مع الدكتور..» وبذلك يصبح وكأنه مجرد مُبلغ لهم بضرورة ما يجب عليهم القيام به، وهو ما جعلهم يصابون بخيبة أمل من انكار دور المؤسسة مبكرا في زمن الثورة، وتحولها لتابع.
في تلك الاثناء كانت الدبلوماسية الأردنية حائرة وتبحث عن فعل ينقذ تحييدها المبالغ به، فالأردن الذي يعي جيدا أن غزة لمصر، وهو لم يتدخل كثيرا حتى في الحرب الأولى، لكنه لم يتنازل عن رسالته الإنسانية هناك حتى اليوم، وجد أن الحل المتاح يكون بزيارة وزير الخارجية لرام الله والتقاء ابو مازن، بعدما ظهرت الخارجية الأردنية في زيارة مجلس وزراء الخارجية المشترك لغزة في صورة لا تتناسب ودور الاردن الانساني في غزة، وفي نظرة الغزيين المحترمة للأردن.
على العموم، كان الفعل للمخابرات المصرية مشكورة في صياغة اتفاق التهدئة الأخير بين سلطة غزة بفصائلها المتعددة من جهة واسرائيل من جهة أخرى، وبضغط من كلينتون على اسرائيل، ولكن ما أرادته قطر وتركيا تحقق، ويبقى أمر مصر من حيث انكسارها لا قدر الله او انبعاثها من جديد وهوما نتمناه برقبة الرئيس مرسي الذي نتمنى أن يعي تاريخ مصر جيدا، وأن الكل ينتظر منه صورة أفضل لدور مصر ومحوريته، فالثورة التي حصلت بها يجب أن تجعلها أكثر ثباتا وصلابة من أن تصادرها غيرها من الدول غنائمها السياسة وانجازات رجالها في أجهزة الأمن.
(الدستور)