من أيلة إلى العقبة .. أمانة مستمرة
الاب رفعت بدر
17-12-2012 08:27 PM
نتصفح كتب التاريخ، فنجد تربة بلادنا وحجارة آثارها تتحدّث، ونِعمَ الكتاب والمعلم والمدرسة. هكذا هو الأردن زاخر بالآثار التاريخية والدينية التي تقول للعالم ان اليوم هو بناء على الأمس وكلاهما سيكوّنان الغد المشرق.
بهذه الافكار توجهنا إلى العقبة للمشاركة في حفل تدشين كنيسة جديدة للبطريركية اللاتينية، لتضاف إلى تاريخ عريق في العقبة التي لا تفتقر إلى الآثار الدينية الغائصة والمتجذرة في التاريخ. فالعقبة ولدت بعدما تلاشت مدينة «أيلة» وهي بحسب الباحثين والمتخصصين في الآثار كانت مركزا بالنسبة للقوافل القادمة من البحر الأحمر ومن البر ، ولذلك كان لها أهمية تجارية ، الا أنّ أهميتها الدينية كذلك لا تنكر، فهي مذكورة في العهد القديم وتحديدا في سفر الملوك الأول، ومنذ القرن الثالث بنيت فيها كنائس متعدّدة وصارت مقرا أسقفيا ومركزا رئيسيا، وشارك اساقفتها بالمجامع المسكونية الأولى التي صاغت العقائد والتعاليم المقدسة (للمزيد في كتاب الآثار المسيحية في الأردن، للمطران سليم الصايغ).
واليوم فيما يدشن بطريرك القدس كنيسة البطريركية اللاتينية المسمّاة « نجمة البحر « نسبة إلى السيدة العذراء المبجلة في الانجيل والقرآن، فإنّ ذلك له دلالات كبيرة ، وأوّلها انّ الأردن بخير والحمد لله. وهو بدستوره التاريخي يكفل بناء بيوت العبادة والصلاة فيها، وهذا من الأمور المميزة والتاريخية التي لم تنقص يوماً ولم تضعف في تاريخ المملكة، وقبل ثلاث سنوات واكثر، كانت مشاركة جلالة الملك والملكة مع قداسة البابا بوضع حجر الأساس للكنيسة الجديدة على ضفة نهر الأردن اعلاناً للعالم بأن الأردن «بنظام الحكم لديه ومكوناته كلها» يحترم التعددية ويشجعها ويتيح بناء بيوت العبادة في اجواء هادئة تحافظ على ارث تاريخي يصون حرية العبادة لكل المواطنين. وقد قال جلالته يومها : «يحكم الإيمان سلوكنا اليومي، ونتمسك بإرثنا الديني ونعلي من شأنه باعتباره وديعة مقدسة، وانطلاقا من تراث أسرتي الهاشمية، حرصت على الحفاظ على مواقعنا الدينية». وأجابه قداسة البابا : «إن إمكانية أن يبني المسيحيون في الأردن صروح عبادة عامة، هو دليل احترام للديانة في البلاد».
والدلالة الثانية في الاحتفال هي ان مسيحيي الشرق الأوسط، وان خرجت دراسات هنا وهناك تنبئ بتناقصهم وتلاشيهم، هم باقون في هذا الشرق وهم ماضون قدماً لنهضته والتقدّم به بما يحترم الكرامة الانسانية ويصون حقوق الانسان الاساسية. ولدى الحديث بشكل خاص عن العقبة، هذه المدينة التاريخية، فإننا نتحدّث عن سكان أصليين، وأيضاً عن قادمين ومقيمين فيها ردحا من الزمن، ويسهمون في تنمية المجتمع وتشجيع الاستثمار والحث على السياحة الدينية والعامة. نعم مسيحيو الشرق باقون، والحالة الاردنية، حالة مميّزة، ومن الضروري تكثيف الجهود وتضافرها من اجل تصدير هذه الحالة وهذا الانموذج ليكونا عبرة لدول الجوار ولكل دول العالم.
وبعد، فقد كان هنالك صدفة جميلة في تدشين كنيسة «نجمة البحر» في العقبة، في ذات اليوم الذي تم فيه في العراق اعادة افتتاح كنيسة «سيدة النجاة» التي التهمتها نيران الارهاب قبل سنتين ، وكل من الكنيستين تحمل لقبا جميلا لمريم العذراء.
هنيئا ليس للمسيحيين فحسب بل للأردن بأكمله بيت عبادة جديد في العقبة.
وهنيئا لأخوتنا في العراق الشقيق اعادة البناء.