الحكومة البرلمانية: بين استنساخ الوجوه واسترجاع شريط الـ56
17-12-2012 02:14 PM
*الربيحات: الدولة أعطت جوائز ترضية لوجوه تريد استنساخ تجاربهم السابقة
*النمري: لا أراهن على حكومة برلمانية حقيقة يولدها البرلمان القادم
*نصراويين: لن تكون هناك حكومة برلمانية حقيقية في ظل المجلس النيابي القادم
*مصالحة: التجربة الحزبية الأردنية متواضعة ولا بد من مراعاة خصوصيتنا
عمون - ماجد الدباس - يثير الحديث عن الحكومات البرلمانية في الأردن زوبعة انتخابية قبل أن تكون برلمانية لتجربة تسير المملكة في طريقها للمرة الأولى بعد إقرار قانون انتخاب يحتوي على قائمة عامة "وطنية" أعلنت العديد من القوى السياسية والحزبية المشاركة فيها وسط مقاطعة البعض وفتور بالمشاركة من البعض الآخر.
الحكومة البرلمانية الوليدة من حيث المفاهيم الأردنية تحدثت عنها الأحزاب والقوى السياسية الفاعلة منذ زمن وكانت على الدوام مطلباً إصلاحياً لسلطة تنفيذية قادمة من رحم الشعب الأردني، فيما يراود العديد من القوى الفاعلة وعلى رأسها الحركة الإسلامية الشكوك في حسن النية الرسمية لإنضاج تجربة الحكومة البرلمانية.
في الديمقراطيات العريقة لا مكان في الحياة السياسية إلا للحكومة البرلمانية فهي مخولة باسم شعبها للقيام بما تراه مناسباً في أي منحى من مناحي الحياة على ان البرلمان يقف أمامها ويحاسبها ويعمل على تصحيح المسارات التي يرى ان الحكومة القادمة منه قد سلكتها على غير معرفة.
مفهوم الحكومة البرلمانية
مصطلح الحكومة البرلمانية فيه مجالٌ كبيرٌ للاجتهاد ففي نظر أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأردنية الدكتور محمد مصالحة تتنوع أشكال الحكومات البرلمانية إلى ثلاثة أشكال الأول هو الذي يقوم فيه الحزب صاحب الأغلبية البرلمانية بتشكيل الحكومة؛ بحيث تشكل علاقة عضوية بين البرلمان والسلطة التنفيذية.
أما الشكل الثاني كما يقول المصالحة فيتشكل عندما لا يستطيع الحزب الحاصل على الأغلبية تشكيل الحكومة فيلجأ لصيغة الحكومة الائتلافية فمثلاً يحصل حزب على 40% واخر على 20% واخر على 15% فتوزع الحقائب الوزارية بناءً على النسب لكل ائتلاف وتحافظ في بنائها على النسب التمثيلية داخل البرلمان.
أما الشكل الثالث بحسب المصالحة فهو الذي يكلف فيه رئيس القائمة التي حصلت على مقاعد القائمة العامة كاملة بتشكيل الحكومة وبذلك تكون القائمة المنبثقة عن الحزب الفائز هي الأقوى خصوصاً عندما تكون كما في قانون الانتخاب الحالي حاصلة على 27 مقعداً وهي حصة القائمة الوطنية كاملة، وفي رأي المصالحة هذه تجربة لا يمكن تنفيذها في الأردن لأن النواب لدينا سيمثلون حقائب فردية.
الفقه الدستوري لا يسمي الحكومة بالبرلمانية الا إذا خرجت من برلمان منتخب بتمثيل حقيقي لكل الشعب، وحزب سياسي فائز بالأغلبية الممثلة أو ائتلاف يشكل الحكومة، وبوجود أقلية برلمانية تشكل ما يسمى بـ"حكومة الظل" وذلك كله بحسب استاذ القانون الدستوري في الجامعة الأردنية الدكتور ليث نصراويين غير موجود في الأردن بل أن حكومة الـ56 التي "يتغنى بها الأردن" كانت حكومة حزبية وليست برلمانية فقد ضمت عددا من الوزراء من خارج مجلس النواب وأهمهم رئيس الحكومة سليمان النابلسي على حد قوله.
شكل الحكومة القادمة
مجلس النواب هو الذي يفرز الحكومة البرلمانية ولذلك فإن النائب السابق جميل النمري يؤكد أن مجلس النواب هو الذي يرشح رئيس الوزراء -وفقاً لمفهوم الحكومة البرلمانية- لتبدأ بعد ذلك عملية التشكيل والمشاورات وبذلك تكون المسؤولية مشتركة من قبل السلطتين التنفيذية والتشريعية في مكاشفة كل منهما للآخر، بيد أن النمري لا يراهن على حكومة برلمانية حقيقة يولدها البرلمان القادم.
وتستخدم الدولة مفهوم الحكومة البرلمانية لدفع الناس للمشاركة في الانتخابات القادمة كما يقول وزير التنمية السياسية السابق صبري ربيحات لـ"عمون" على أنه يعتبر المال السياسي العائق الأكبر حتى في الوصول لحكومات برلمانية قوية "فالدولة أعطت جوائز ترضية لوجوه تريد استنساخ تجاربهم السابقة، فيما يستقبل الناس الانتخابات بفتور شديد".
ويعتبر ربيحات الخلل في البرلمان القادم متمثلاً من الان باستشراء ظاهرة المال السياسي وعدم اكتمال العملية الاصلاحية التي لم تستخدمها الدولة حتى في إصلاح العملية الانتخابية ففي الأغوار وبعض المناطق الفقيرة تباع الأصوات على مرأى الجميع والأجهزة الأمنية تقول أنها تعرف كل صغيرة وكبيرة فلماذا لا تواجه هؤلاء بالقانون خاصة وأن مصادر أموالهم مشبوهة؟
كما ويتساءل ربيحات ما الأولى: أن يكون هؤلاء خلف القضبان أم تحت قبة البرلمان؟
بين النجاح والفشل
صحيح أن التجرية حديثة وهي في قيد الاستكشاف تحت المجهر الأردني إلا أن البرلمان القادم بحسب معظم من التقتهم "عمون" لن يكون فيه حكومة برلمانية حقيقية وفق نظام الانتخاب القائم لأنه يحتاج للكثير من التمحيص والتدقيق لتخرج تجربة ديمقراطية تضم حكومة برلمانية فالنمري يرى التجربة وليدة لكنها مبتورة في ظل وقت الانتخابات وطبيعة المرحلة وشكل القانون الانتخابي.
أما الربيحات فيقول الدولة مقصرة في محاربة التأثير على إرادة الناخبين والهيئة المستقلة للانتخاب تشتكي من ذلك كما أن العملية الإصلاحية والمجتمع بحد ذاته غير جاهز للانتخابات وبذلك فإن الدولة تحشر نفسها "بين صخرة وجبل" وعليها أن تفكر في اليوم التالي للانتخابات من الآن وفي ردة فعل الناس، وذلك كله يضع البرلمان بما فيه الحكومة البرلمانية على المحك.
ويستبعد نصراويين تواجد حكومة برلمانية حقيقية في ظل المجلس النيابي القادم ويرى بأنها "لن تعدو عن كونها تشاوراً بين الملك ورئيس الوزراء المكلف والبرلمان وهذا يعني أن الانتخابات لن تكون على أسس سياسية بحتة كما يراد لها".
ووسط هذه الآراء يخرج المصالحة بنتيجة مفادها الحزب الذي يأخذ الـ50+1 سيشكل الحكومة وسيلعب دوراً مهماً فيها، على أن هذه الحكومة لا يمكن تقييمها من الآن خاصة وأن الكثير من المحللين تراودهم الشكوك والخشية من قدرة الأحزاب على تشكيل الأغلبيات البرلمانية خاصة في ظل التجربة الأردنية المتواضعة في هذا المجال وهي بلا شك ليست كالديمقراطيات العريقة في أوروبا وغيرها.