المؤشرات الأولية تفيد بأن عدد القوائم الانتخابية يفوق عدد المقاعد المخصصة للدائرة الوطنية. أكثر من 17 حزبا قررت المشاركة، يخوض كل واحد منها الانتخابات بقائمة منفردة، مع أن عدد أعضاء بعض هذه الأحزاب لا يزيد على 27 عضوا. والاتجاهات السياسية غير الحزبية، والشخصيات المحسوبة على مختلف التيارات؛ يسار، ويمين، ووسط، فشلت هي الأخرى في التفاهم على قوائم موحدة. وإذا ما استمرت القوائم تتوالد بهذا الشكل، سيحظى كل ناخب بقائمة انتخابية!
لم يكن الخلاف في التوجهات السياسية والبرامجية السبب في حالة التشظي هذه، وإنما رغبة كل مرشح في أن يكون على رأس القائمة ليظفر بالمقعد النيابي.
في إسرائيل، حيث تجرى انتخابات الكنيست قبل يوم من الانتخابات في الأردن، تشكلت 34 قائمة انتخابية. الفرق أن هذه القوائم تتنافس على جميع مقاعد الكنيست، وليس على 18 %. وعادة ما تغيب عن الوجود الكتل الانتخابية التي تفشل في الحصول على مقاعد، بينما تعجز أكبر الكتل الفائزة عن تشكيل حكومة بدون التحالف مع عدة كيانات سياسية صغيرة.
في حالتنا، لو تمكن حزب واحد من الفوز بالمقاعد الـ27، وهذا أمر مستحيل، فإنه لن يتمكن من تشكيل حكومة بوجود أغلبية ساحقة من نواب "الفردي".
لا ننسى أننا نخوض تجربة القوائم لأول مرة، وفي ظل حياة حزبية مشوهة، ومقاطعة من طرف أكبر التشكيلات السياسية. وقد اخترنا، بكل أسف، نظاما سيئا للقوائم لا يشجع على الائتلاف، ولا يساعد القوى الصاعدة على بناء تحالفات عريضة.
لكن، يبقى للتجربة ثلاث إيجابيات يمكن الرهان عليها:
الأولى: اكتساب الخبرة في خوض الانتخابات على المستوى الوطني لجيل من الحزبيين والناشطين، وامتحان البرامج الحزبية في الممارسة العملية والاحتكاك المباشر مع الناخبين.
الثانية: أن وجود هذا العدد من القوائم الانتخابية ربما يساهم في تنشيط العملية الانتخابية الراكدة، وزيادة نسبة التصويت المهددة بالعزوف الشعبي والمقاطعة السياسية.
الثالثة: فشل بعض الكيانات الانتخابية في تحصيل ولو مقعد واحد في مجلس النواب، قد يدفع بها إلى الاندماج مع أحزاب أخرى لتفادي خطر الانقراض السياسي. في المقابل، هناك فرصة لولادة أحزاب جديدة تحت قبة البرلمان، يؤسسها نواب مستقلون ترشحوا على قوائم محسوبة على التيارات السياسية في البلاد.
إن الخطر الأكبر الذي يقوض سمعة القوائم، لا بل والانتخابات كلها، هو لجوء بعضها إلى شراء الأصوات لكسب تأييد الناخبين. مسرح العمليات الانتخابية في حالة القوائم كبير وواسع، ويشمل جميع دوائر المملكة، مما يسهل ارتكاب التجاوزات بدون التمكن من رصدها. ولذلك، لا بد من تطوير نظام فعال للرقابة على إنفاق الحملات الانتخابية، وتجنيد طاقات الأجهزة الأمنية لإحباط محاولات شراء الأصوات في مهدها، ومحاصرة المال الانتخابي وأصحابه، وإخضاعهم للعقوبات المنصوص عليها في القوانين.
الإرادة السياسية في هذا الاتجاه تبدو مترددة. وإذا لم تحسم أمرها، فإن وعود النزاهة ستفقد مصداقيتها، وسيخطف أصحاب المال مقاعد القوائم مثلما خطفوا من قبل الدوائر الفردية.
fahed.khitan@alghad.jo
الغد