عمون- قال الدكتور محمد المفتي إن قيمة الدروس الحسنية الرمضانية تبرز في التوجيه والإرشاد وبناء شخصية المسلم المتزن الإيجابي في محيطه ومؤسسته ووطنه.
واعتبر د.المفتي في حوار أجرته معه صحف مغربية أن الدروس الحسنية في المغرب ظاهرة ثقافية ذات جذور أصيلة.
وتالياً نص الحوار:
هذه نفحات إيمانية مفعمة بالصفاء والإشراق من أرض المحبة والسلام والنور والأصالة المملكة المغربية إحدى أبرز مراكز العراقة للحضارة الإسلامية ، نلمسها من خلال هذا اللقاء الطيب مع أحد العلماء والدعاة من الأردن بلد الحشد والرباط في بلاد الشام الطهور فضيلة الدكتور محمد مختار المفتي ، حيث يتوشح كل عام بالبركة والفضل الرباني في موسم الخير والمغفرة والرحمة شهر رمضان، بالدروس الحنسية في ظل نسمات الإحسان من الملك الشاب محمد السادس برعاية ملكية عطرة لهذه الدروس التي تجمع لفيفاً من خيرة وصفوة علماء الأمة من مشرق الوطن العربي ومغربه ، وتعد هذه الدروس مؤتمرا عالميا تجمع خيرة علماء الأمة في غرة شهر القرآن، وقد أتحفنا فضيلة الدكتور محمد مختار المفتي أستاذ الحديث النبوي الشريف في جامعة آل البيت في المملكة الأردنية الهاشمية ، بألطاف كلماته وجميل عباراته وفيض روحانياته ومعانيه الإيمانية ، وهو يستذكر إشراقات الروح في شهر التجليات الربانية على العباد من أرض الرباط والفتح المغرب الشقيق ، أثناء رحلته الميمونة في شهر رمضان من العام الماضي ، فنسعد بهذا اللقاء ونستشعرأنوار وبركة هذه المعاني الإيمانية وهي تلامس شغاف قلوبنا أثناء تجاذب أطراف الحديث معه حول انطباعه عن الدروس الحسنية وعن معانيها :فإلى لفتات من النور مع فضيلته ونحن نسأله عن رحلته تلك:
فضيلة د محمد : نسعد بلقائكم للحديث عن الدروس الحسنية في المغرب الشقيق التي تشاركون بها منذ أعوام على التوالي ، ما هي مشاعركم أثناء نزولكم في أرض المغرب ونفحات الرحمة تتنزل على الأمة وتعم المسلمين بالخير في رمضان :
لقد غمرت قلوبنا معاني الغبطة والسرور بما لمسناه من عظيم الحفاوة والتكريم والترحاب وحسن الضيافة لدى مشاركتنا في الدروس الحسنية الرمضانية طوال مدة إقامتنا بين أهلنا في المغرب الأقصى الشقيق.
حدثنا فضيلتكم عن طبيعة الدروس الحسنية كسنّة حميدة انتهجتها المملكة المغربية كل عام في رمضان برعاية الملك محمد السادس راعي العلم ومبجل العلماء.
إن من السنن الحميدة والمكارم الحسنة التي تهفو لها النفوس وتنشرح لها الأفئدة والصدور ما يشهده رحاب القصرالملكي بالرباط في شهر رمضان الأبرك من كل عام، حيث تحتضن هذه الدروس الدينية التي يترأسها صاحب الجلالة الملك محمد السادس، والتي يحضرها صفوة من علماء العالم الإسلامي مما جعل هذه الدروس محطّ الأنظار ومحلّ الشوق والاهتمام لدى الخاص والعام كلما جاء شهر الصيام ، وإنها لسنة سار عليها صاحب الجلالة منذ اعتلائه عرش أسلافه المنعمين اقتداء بأجداده الأكرمين.
وقد أنشأ هذه السنة الحسنة الحميدة جلالة المغفور له الحسن الثاني طيب الله ثراه بتاريخ 1963م - في الحقيقة- سنة حميدة انفردت بها المملكة المغربية الشريفة في هذا الشهر العظيم، على باقي دول العالم العربي والإسلامي ؛ بحيث أصبح القصر الملكي العامر بالرباط . جامعة رمضانية عظيمة
وتبرز هذه الدروس مدى العناية التي يوليها جلالة الملك بشؤون الدين وعلومه الإسلامية وتكريم العلم والعلماء ، وتظهر مدى الإشعاع الديني الإسلامي والعطاء الفكري والحضاري الذي كان ولا يزال للمغرب الاقصى قي ظل قياته المؤمنة وريادته الحكيمة منذ أن تكونت من عهد الدولة العلوية الشريفة .
وتنطلق هذه التظاهرة الدينية العلمية سنويا وتحمل اسم الأسرة العلوية الحسنية الشريفة وهذه عادة سارت عليها المملكة المغربية الشريفة منذ عقود من الزمان حتى أصبحت معلماً دينياً حضارياً وموئلاً يفد إليه العلماء من جميع أصقاع العالم للاستفادة من هذا المعين الثر الفياض.
فهمت من فضيلتكم أنكم تشاركون في الدروس الحسنية بشكل دوري منذ سنوات، متى بدأت مشاركتكم وكيف كانت البداية ؟!
لقد كنت من المشاركين في الدروس الحسنية الرمضانية لعدد من السنوات منذ 2010 وحتى 2012 بحضرة أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس حفظه الله تعالى، وتحت رئاسته الفعلية وبحضور كوكبة من العلماء والمشايخ والدعاة والقراء وأصحاب الفكر والثقافة من المغرب وخارجه طيلة أيام شهر رمضان المبارك .
أشرتم فضيلتكم إلى كوكبة العلماء الذين يستضيء المغرب الشقيق بأنوارهم ويقبس من فيض علومهم ، ما هي أبرز الموضوعات التي يستفيض الحديث حولها في الدروس الحسنية الرمضاية :
العلماء يفدون إلى المغرب ليسهم كل واحد كل من زاوية اختصاصه العلمي في مدارسة بعض قضايا الإسلام وتقديم باقة من العروض والمحاضرات، متناولين بالتحليل والبحث آيات قرآنية وأحاديث نبوية تعالج ظاهرة من الظواهر الاجتماعية أو الأخلاقية أو الفكرية من جوانبها الشرعية ، مستلهمين من ذخائر الفكر الإسلامي ما يزخر به هذا الفكر من قيم إسلامية سامية وأحكام شرعية راقية ومبادىء عالمية كونية، تنشد تحقيق السلام والعدالة والوئام بين الأمم والشعوب والحضارات والثقافات، يلبي الدعوة إليها عشرات بل مئات من العلماء والفقهاء من أرض الله الواسعة ، يتدارسون من خلالها قضايا وهموم الأمة الإسلامية ومشاكلها، وفق منهجية علمية دقيقة ، مع الحكمة والوسطية في الطرح والمعالجة ، بدون تنطع ولا تشدد . فكان منبر الدروس الحسنية لبنة خير وبركة في جسد الأمة الإسلامية عموما والمغربية خصوصا . وقد فتح بابه لجميع العلماء والأساتذة يلقون من خلاله ما أفاض الله عليهم من العلم والعرفان ، بغض النظر عن مذاهبهم وتوجهاتهم الفكرية ، سنية كانت ام شيعية أم إباضية .. بل أعطت لجميع التوجهات الإسلامية الحق في التعبيرعن أفكارها وأهدافها بشرط الابتعاد عن فكر الكراهية والتطرف والغلو والإرهاب .
د محمد مختار ما هي الشريحة الإجتماعية المتلقية للدروس أو التي تحضر المجالس الحسنية، هل هي دروس للخاصة ام لعامة الناس ولكافة فئات المجتمع ؟
تبرز قيمة الدروس الحسنية الرمضانية ودورها الفعال في التوجيه والإرشاد وبناء شخصية المسلم المتزن الإيجابي في محيطه ومؤسسته ووطنه ، يدعى إليها أكابر شخصيات الدولة المغربية، من أمراء ومستشارين وضباط ووزراء ورؤساء الفرق البرلمانية وأعضاء الدواوين الوزارية ورؤساء المجالس العلمية وعمداء الجامعات ، ناهيك عن العديد من الشخصيات العلمية والثقافية وأصحاب الفكر والرأي ، كما يحضر هذه الدروس السلك الدبلوماسي العربي والإسلامي المعتمد في المغرب ..
وتقام هذه المجالس العلمية في القصر الملكي ويحرص امير المؤمنين على حضور هذه المجالس التي تعقد بعد صلاة العصر ويعطيها حقها من اهتمامه ، ويكرم المشاركين فيها من العلماء المغاربة والمشارقة... ويجلس مع الملك عدد من أفراد الأسرة العلوية الشريفة المالكة وعن يمينه السفراء المعتمدون في المغرب وعن يساره هيئة الوزارة وكبار رجال الدولة وأمامه يجلس العلماء. ويجعل للمحاضر الذى يلقى الدرس بين يديه «كرسياً» كبيراً عاليا يلقى الدرس عليه ، ويجلس الملك على الأرض مع سائر الحاضرين تقديرا منه للعلم والعلماء.
ما هو البروتوكول المتبع والتقليد المأثور في أسلوب إعطاء هذه الدروس وما هي الشريحة العلمية التي تدعى لإعتلاء هذ المنبر العلمي والفقهي في كل موسم ، وهل هي في القصر الملكي فقط أم في مدن ومناطق أخرى من المملكة المغربية ؟
وكما جرى العرف والعادة في هذه الدروس وقبل أن يصعد المحاضر إلى مكان الدرس تتلى آيات بينات من الذكر الحكيم يلقيها أحد القراء المشهورين من المغرب أوخارجه ، وعند حضور جلالة الملك وبعد أن يلقي تحيته على الضيوف ، يتقدم أحد العلماء لإلقاء درسه أمام جلالته في مدة لا تتجاوز 60 دقيقة ، وينقل هذا الدرس عبر أمواج الإذاعة الوطنية المغربية مباشرة...وقد اعتلى هذا المنبر وعبر تاريخ الدروس الحسنية المباركة ثلة من العلماء والفقهاء والمفكرين . وهي مناسبة عظيمة لهذا الجمع العام للعلماء من أقطار الدنيا على أرض المملكة المغربية لإلقاء الدروس والمحاضرات في بعض المساجد والجامعات، أوبعض المؤسسات التابعة لوزارة الأوقاف المغربية ..سواء بالعاصمة الرباط ، أو المدن الأخرى كالدار البيضاء وفاس ومكناس وسلا وطنجة وتطوان ومراكش وأغادير.... كما تخصص لهم أيام لزيارة بعض المعالم التاريخية والأثرية، أو لحضور بعض الأنشطة الدينية مثل ليلة القرآن الكريم التي تنظمها وزارة الأوقاف على شرفهم .
يبدو فضيلة الدكتور المفتي ومن خلال تفصيلكم الجميل عن يوميات الدروس الحسنية في المغرب أنها أصبحت مؤسسة رسمية موسمية انطبع المغرب بطابعها الحضاري والعلمي واشتهر بها بين بلدان العالم الإسلامي ؟ كيف اكتسبت هذا الطابع الحضاري المتميز؟
قيمة الدروس الحسنية الرمضانية تتجلى في كثير من الأشياء سواء العلمية منها أو الزمانية والمكانية ، حتى قيل في حقها وحق من سنها الكثير، من قبل أهل العلم المشهود لهم بالخير. فالدروس الحسنية وعبر تاريخها المشرق ، أصبحت مؤسسة إسلامية دستورية، ولد من رحمها الكثير من القرارات والتوصيات ، ونذكر منها على سبيل المثال، قرار المغفور له الحسن الثاني بإنشاء دار الحديث الحسنية؛ وهي جامعة إسلامية تعنى بعلوم الحديث والفقة والعلوم الشرعية الأخرى ..ومنها أيضا قرار المغفور له المتعلق بالمحافظة على اللغة العربية والمتعلق كذلك بإلزامية أداء فريضة الصلاة في المدارس الإبتدائية والثانوية والجامعات ، ومن بطن الدروس الحسنية كذلك أعطيت تعليمات بختم القرآن الكريم خلال شهر رمضان الفضيل في صلاة الترويح في المساجد، وعبر موجات الإذاعة ومن خلال شاشات التلفزة .. كما أنشأ جلالة الملك محمد السادس حفظه الله إذاعة خاصة بالقرآن الكريم تسمى ب " إذاعة محمد السادس للقرآن الكريم". فخيرا ما فعل جلالة الملك محمد السادس حفظه الله ، عندما تشبث بسنة الدروس الحسنية الرمضانية وعمل جاهدا على ضمان استمراريتها وتطويرها والإضافة إليها حسب ما تقتضيه مجريات العصر.
سعادة الدكتور محمد مختار ربما تكون الدروس الحسنية مناسبة ثقافية ودينية ليتمازج ملك المغرب الرأي مع العلماء والدعاة وقادة التيارات الإسلامية الرأي من كافة اقطار العالم الإسلامي ، ما رمزية ذلك ودلالته وأهميته على المستوى العربي والإسلامي ؟
لعل ما أضافه جلالته لهذه المجالس الرمضانية هوانفتاحه على زعماء الحركات الإسلامية من المغرب وخارجه، لإلقاء دروسهم وطرح أفكارهم بين يدي جلالته ، كما انفتح على رموز الجاليات الإسلامية المغربية في الخارج ؛ حيث أصبح يدعى لها الكثير من رؤساء الجمعيات والمراكز الثقافية، بالإضافة إلى دعاة وأساتذة وخصوصا أصحاب الوجود الفعلي والفاعل في دولهم.
فضيلة الدكتور كأن هناك مشاركة للمرأة المغربية كمثقفة وعالمة وركن أساس في المجتمع في هذه المجالس العلمية وبحضرة الملك ، ما هي آفاق تلك المشاركات وما هي أهميته على الصعيد المحلي والإسلامي العام ؟!
إن أهم تحول شهدته الدروس الحسنية في عهد أمير المؤمنين محمد السادس، هو ذاك المتمثل في إشراك المرأة المغربية العالمة في هذه المجالس، بجانب شقيقها الرجل، وهي في الحقيقة سابقة جديدة من نوعها في عمرالدروس الحسنية ، .. وهكذا توالت العالمات المغربيات وفي كل سنة يشاركن في الدروس الحسنية الرمضانية ...الدروس الحسنية ظاهرة ثقافية مغربية ذات جذور أصيلة تدخل عقدها السادس دون انقطاع، تعبر عن مدى ِاعتزاز المغرب الأقصى بالثقافة الإسلامية واهتمام ملوكها بالمجالس العلمية .وفي هذه المجالس يبجل العالم وتعلو مكانته ومقامه فوق العام والخاص .. هذه الدروس انفردت في عهد أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس بالسماح للمرأة المغربية بالمشاركة والتدريس.
فضيلة الدكتور محمد المفتي استمتعنا بحديثكم المفعم بالبركة والخير بماذا تختمون وما هي رؤيتكم لمستقبل هذه الدروس الحسنية ؟
أهل المغرب مؤتمنون على هذه الظاهرة الرمضانية الفريدة التي لا يمكن أن تنجح في أي بلد آخر غير المغرب ، ولا أن تحظى بالاهتمام الذي تحظى به إلا فى المغرب، ويحرص المغرب الشريف على إحياء هذه الدروس والمجالس العلمية مع كل رمضان كريم.. ولم يعد يتصور أحد شهر رمضان بالمغرب دون إحياء الدروس الحسنية. وهذه الدروس التي يؤمها العلماء ورواد الفكر الإسلامي من شتى انحاء العالم الإسلامي وهي مجالس مباركة ومعالم إسلامية رائعة وشامخة في تاريخ الأمة الإسلامية.