عن أية كونفدرالية تتحدثون؟
لميس اندوني
16-12-2012 02:59 PM
عمون- هناك فرق بين الحديث عن أية صيغة وحدوية بين الأردن وفلسطين، انطلاقا من مبادئ العروبة والعلاقة التاريخية بين الأردنيين والفلسطينيين، وبين الحديث عن صيغ، لا تخدم سوى المشروع الإسرائيلي.
إسرائيل لا تريد إنهاء احتلالها وسيطرتها، وكل همها وهدفها هو الإبقاء على ضفة غربية ممزقة، وقدس مضمومة قسرياً تحت لواء استعمارها، وغزة معزولة و محاصرة - والمطلوب بالطبع هو وجود جهة تدير السكان وتمنع المقاومة بجميع أشكالها ومراحلها.
الهدف الأعظم هو تصفية القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني، التاريخية والشرعية والقانونية، وكل ما يتعلق بهوية الأرض الأصيلة والأصلية، لأن في ذلك تحدياً دائماً للكيان الإسرائيلي شرعية ووجوداً.
لا نعرف مصدر التقارير المسربة، التي أشك في صحتها، ويجب التحقق من نواياها، لأن أي حديث عن الكونفدرالية في الوقت الحالي، سيخضع للمفهوم الإسرائيلي، ويعني عملياً انتقال مسؤولية الفلسطينيين تحت الاحتلال إلى الدولة الأردنية، أي التقاسم الوظيفي الأمني الإداري مع الاحتلال الإسرائيلي.
هذا السيناريو لا يبقي للسلطة الفلسطينية شيئاً، لا من قبيل التمثيل السياسي ولا الإداري، لأن إسرائيل تاريخياً، كانت تغازل فكرة الكونفدرالية من قبيل التخلص من مفهوم الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، خاصة حق التحرر الوطني وتقرير المصير وحق العودة للاجئين الفلسطينيين.
إذاً يجب التخلص من الوهم لدى أي من الأطراف، بأن صيغة الكونفدرالية، ستنهي الاحتلال الإسرائيلي، على أساس أن قرار مجلس الأمن رقم 242 ، الذي دعا إلى الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي المحتلة في حرب عام 1967، كان يعني الأردن في حينها لأن الضفة الغربية، بما فيها القدس كانت تحت إدارتها،ولا يوجد منطق في تخيل أن الكونفدرالية ستنقذ السلطة الفلسطينية وتضمن استمرارها.
سيناريو آخر قد يكون أن شرط الاعتراف بدولة فلسطينية، هو التفاهم مع الأردن على صيغة ارتباط معينة، وهذا شرط قديم متجدد، كان الغرض منه دائماً الإعفاء التاريخي لإسرائيل من استحقاقات احتلالها واستعارها وتشريدها واقتلاعها للشعب الفلسطيني، فإسرائيل لن تسمح بإقامة دولة ذات سيادة، والحديث عن الدولة، إسرائيلياً لا يعني أكثر من الاعتراف، بكينونة مشوهة وممزقة، وتضحى الكونفدرالية، ما هي إلا شكل من إعطاء شرعية زائفة لإنهاء القضية الفلسطينية.
لكن للأسف أن أهم ما يثيره الحديث عن الكونفدرالية، هو إثارة المخاوف من أن يصبح الفلسطينيون هم غالبية عظمى في الدولة الأردنية، وما يحدث ذلك من تعميق للشق والشكوك بين مكوني الشعب الأردني، وكأن الشعب الفلسطيني يصبح مستفيداً من تصفية قضيته وحقوقه على حساب الأردن وشعبه.
وسريعاً يتدهور الحوار العلني في الأردن، فتحل المخاوف من سيطرة الفلسطينيين على الأردن محل مواجهة أي مخططات لتصفية القضية الفلسطينية على حساب الشعبين معاً.
الأمر ذاته ينطبق على قطاع غزة، فنرى هناك مخاوف من ضم القطاع إلى مصر، وهي بالحقيقة إلقاء غزة في حضن مصر، مما أثار حفيظة الكثير من المصريين، ولا يستطيع أي زائر لمصر هذه الأيام، إلا لمس حالة، وإن لم تكن واسعة بل مهمة، عداء للشعب الفلسطيني ولحركة حماس بشكل خاص، ترافقها إشاعات بأن الرئيس محمد مرسي يريد إعطاء سيناء للفلسطينيين، حتى أن بعضهم يعتقد أن مسودة الدستور كُتِبت لتحقيق ذلك.
أي أننا نرى نجاحاً إسرائيلياً، بتصدير أزمتها إلى الأردن ومصر، مما يجعل أي حديث وحدوي لا يخرج عن سياق، الهيمنة الإسرائيلية، ذلك لأننا في حالة فقدان رؤية واضحة لمشروع تحرري، بعد أن دخلت أمريكا على خط الثورات العربية، وضعف الربط بين قضايا الحريات والعدالة الاجتماعية وقضايا التحرر الوطني.
الحديث يثير شجون وقضايا شائكة، لكن الأهم أن لا ندع "فتيشات الكونفدرالية"، تنسينا أن أي حل في جوهره تصفية القضية الفلسطينية يمثل خطراً استراتيجياً على الأردن وفلسطين معاً، ولا يمكن أن يفيد طرفاً على حساب الآخر. "العرب اليوم"
l.andony@alarabalyawm.net