قيادات أفرزتها الحراكات : واجب الترحيب والتحذير أيضاً
حسين الرواشدة
15-12-2012 04:15 AM
صحيح ان الحركات الشعبية لم تستطع - حتى الآن - ان تنجز الاصلاح الذي تريده أغلبية المجتمع، لكن الصحيح ايضاً انها استطاعت ان تجدد حيوية الدولة، وان تفرز طبقة جديدة من السياسيين الشباب المؤهلين للقيادة في المستقبل.
نحن - الآن - إذن أمام نهوض “قيادات” أفرزتها مناخات سياسية جديدة، معظمها خرج من الاطراف المهمشة أو من بيئات اجتماعية محسوبة على الطبقات الفقيرة أو المتوسطة، وتتمتع بمستويات تعليمية وثقافية معتبرة، وخضعت لتجربة - مُرة - من الافقار والتهميش وعايش بعضها محنة الاعتقال، وكل هذه المواصفات تؤهلها لكسر قاعدة “التوريث” التي استسلمنا لها فيما مضى، وبناء قاعدة جديدة أساسها الاختيار وفق “الكفاءة” الوطنية، والمشاركة الواعية التي ترسخ موازين العدالة والمساواة، والمواطنة التي تضمن سلامة معادلة الحقوق والواجبات على مسطرة واحدة.
فيما مضى كنا نعاني من مشكلتين: احداهما تتعلق بافتقادنا لـ “الرموز الوطنية” أو الشخصيات المعتبرة التي تحظى بالنظافة والقبول الشعبي، لا نريد - بالطبع - ان نسأل عن اسباب ذلك، فهي لا تتعلق “بعجز” بلادنا عن انتاج مثل هؤلاء. ولا “بفقر” ارحام الاردنيات عن ولاداتهم، ولكن ثمة “استحقاقات” سياسية قهرية دفعت المجتمع الى القبول بواقع جرى تفصيله على مقاسات معينة، اما المشكلة الثانية فهي تتعلق بحالة “الهرم” التي وصلت اليها “الطبقة” السياسية، والهرم هنا لا يتعلق “بالعمر” إنما بالافكار ايضاً، فمع بروز بعض الشباب الجدد ووصولهم الى مواقع القرار، وجدنا انفسنا امام “طبقة” هرمت افكارها، واخرى استنسخت افكارها من الآخرين، وكأنها نزلت “بالبراشوت” بأفكار لا علاقة لمجتمعنا بها.
في موازاة ذلك، ارتبطت معظم الشخصيات السياسية التي ولدت من رحم “المعارضة” او الاخرى التي انتقلت الى “المعارضة” بعد ان خرجت من “دوائر” السلطة، بانطباعات ملتبسة في ذاكرة الناس، فبعضها كان لديه “سجل” من القمع والاستبداد، وبعضها تحالف مع “حكومات” لم تحظ بثقة الناس، وبعضها وقع في فخ “الإغراء” السياسي فتنكر لماضيه وتراثه النضالي.. وبالتالي فإن طبقة “المعارضة” هرمت هي الأخرى.. واصبحت جزءاً من المشكلة.. مثلها مثل طبقة السياسيين المجربين على الصعيد الرسمي.
في ظل هذا الواقع، كان بلدنا بحاجة الى “دماء” جديدة لكي تضخ فيه معنى “السياسة” النظيفة والروح الوطنية، وقيم الدولة، وكان بحاجة لوجوه شابة لا تحمل لها ذاكرة الناس اية تجارب غير مقبولة أو ممارسات مغشوشة.. ومن حسن حظنا ان حراكات الشارع في العامين المنصرمين أفرزت لنا مثل هذه “الدماء” وتلك الوجوه، لكن من واجبنا أن ننتبه لمسألتين: احداهما ان شهادة القيادة الوطنية لا تعتمد - فقط - على كسر “الامتثال” والخروج الى الشارع ولا تصدر ايضا من السجون والاعتقالات، على اهمية مثل هذه التجارب، وانما تعتمد أولا على “وعي” هذه القيادات الناشئة ومقدرتها على تجاوز “ارث” الماضي بكل ما فيه لإيجاد “روح” وطنية وثابة، وتقديم مشروع “نهوض” مقنع” وبناء منظومة قيم معتبرة، وهذا كله لا يستطيع لفرد ان ينجزه مهما كانت مواصفاته، وبالتالي لا بد من البحث عن اطار مؤسسي - مهما كان اسمه - ليكون بمثابة “مصنع” لإفراز “القيادات” وانضاج الافكار ايضاً.
اما المسألة الاخرى، فتتعلق بضرورة انتباه “الشباب” الجدد من القيادات الصاعدة لإغراءات السياسة والاعلام، ومحاولات حرق المراحل بحثا عن الشهرة، والى امراض “الغرور” والانحراف عن الهدف الاساسي الى اهداف ومصالح اخرى... لأن وقوعهم في هذه المصائد سيفضي بهم الى تكرار تجربتنا مع جيل سبقهم.. واورثنا ما نعانيه الآن من خراب.
تبقى ملاحظة اخيرة، وهي ان واجب الدولة وامتحانها ايضا سيكون معلقا بقدرتها على “تبني” هذه الطبقة الجديدة ورعايتها لنتمكن من ملء الفراغ السياسي وتجديد حيوية بلدنا.. ودفعه الى الأمام.
باختصار، ثمة ما يدعو للترحيب بهؤلاء الشباب وثمة ما يقتضي التحذير من الوقوع في “فخ” الاستعجال والشهرة.. لكن يبقى اننا أمام “حالة” جديدة يفترض ان نرصدها بدقة، وان نواجه نقاشاتنا العامة الى “ابطالها” القادمين الى الساحة.
(الدستور)