* أميركا تحاول تحسين شروطها التفاوضية مع روسيا, عبر الانقلاب السياسي على مخرجات جنيف.
* · الاعتراف الأميركي بالإتلاف المعارض رافقه وضع جبهة النصرة على قوائم الارهاب و هذا ما يثبت أن الخطوة الأميركية هي عبارة عن خطوة براغماتية سياسية أكثر من كونها خطوة عملية ذات قيمة فعلية.
الخطوة الأمريكية جاءت مناقضة لما افضت عنه لقاءات جنيف الأخيرة قبل أيام, و التي جمعت مندوب موسكو نائب وزير الخارجية الروسي بوغدانوف, مع نائب وزير الخارجية الأمريكية ويليام بيرنز(الذي بدأ يتحول الى الشخصية الوحيدة المقبولة من موسكو) بالاضافة الى المبعوث الأممي الأخضر الأبراهيمي, و سفير الولايات المتحدة في دمشق روبرت فورد. هذه المباحثات عبر عنها مندوبي الطرفين بأنها كانت بناءة, و ان موسكو أخذت بعين الاعتبار التعديلات التي طلبتها واشنطن على اتفاق جنيف الأول, و التي من بينها عدم ترشح بشار الأسد لولاية ثانية و ضرورة التسريع في تشكيل حكومة انتقالية. لا بد من الاشارة أن هذه المطالب ستكون أساس برنامج زيارة الابراهيمي القادمة الى دمشق و التي يتم الترتيب لها الآن باشراف روسي اميركي مشترك.
بالعودة الى الخطوة الأمريكية, فان البعض يرى أن تصريح الولايات المتحدة الذي اعتبر ان الاعتراف بالإتلاف, و وضع جبهة النصرة على قائمة الارهاب يهدف الى اعادة ترتيب المعارضة و تحويلها الى معارضة اكثر اعتدالاً, و تهدف أيضاً الى عدم تكرار أخطاء أميركا في العراق. يؤكد هذا تريث الولايات المتحدة بمسألة تسليح المعارضة من جهة و عدم سحب الشرعية عن نظام الأسد تماما من جهة أخرى. "أصدقاء سوريا" و الفرنسيون على وجه الخصوص, وجدوا في الخطوة الأمريكية انجازاً مهماً, الا انهم في نفس الوقت انتقدوا بطء الاستجابة الأمريكية للدعوات الفرنسية المتكررة التي سعت لاستصدار موقف أميركي اكثر صلابة في مواجهة سوريا. الفرنسيون أكدوا ان الدعم المطلوب من اميركا ليس فقط سياسياً بل دعم كامل بالمال و السلاح.
موسكو عبر وزير خارجيتها سيرغي لافروف, استهجنت القرار الأمريكي و رأت فيه محاولة لقتل كل الجهود الرامية لايجاد حلول سياسية, خصوصاُ أن الروس اتفقوا مؤخراً مع الاميركان على ضرورة الخروج من الوضع المأساوي في سوريا عبر عملية انتقال سياسي سلس تشارك فيها جيمع الأطراف من حكومة و معارضة. الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية الروسية لوكاشيفيتش, نفى ما روجت له وسائل الاعلام الامريكية من تصريحات جاءت على لسان نائب وزير الخارجية الروسي بوغدانوف, و التي تحدثت عن قرب هزيمة النظام السوري. روسيا اعتبرت هذا التلاعب رغبة أميركية بتحقيق انتصارات على الأرض عن طريق ترويج روايات تتحدث عن تخلي موسكو عن سوريا, الملفت للنظر ان مثل رواية مشابهو تم تسويقها على لسان بوغدانوف نفسه في شهر حزيران الماضي و قبل الوصول الى لقاء جينيف( و يمكن البحث في ارشيف الاخبار للتأكد من هذا). لهذا يرى كثير من المحللين أن هناك تناقض كبير بين نشر انباء غير حقيقية و بين خطوات استراتيجية حقيقية تنفي مثل هذه الشائعات, فكيف لروسيا أن تسلم دمشق صواريخ اسكندر المتفوقة عسكرياً و تتخلى عنها بعد أيام!!
المسؤول الروسي اعتبر أن زيادة الدعم السياسي والمعنوي والمادي للمعارضة المتشددة من قبل أعضاء المجتمع الدولي، ولاسيما ما يسمى مجموعة "أصدقاء سوريا"، تدفع المسلحين إلى تنشيط أعمالهم. اذا القناعة الروسية لم تتغير, فموسكو تعتبر ان استمرار المواجهات العسكرية سيؤدي بلا شك الى مأزق أكبر لا يمكن السيطرة على عواقبه الاقليمية. لذلك فان اصرار موسكو على ضرورة العودة الى اتفاق جنيف و اتخاذه اساس لعملية الانتقال السياسي في سوريا يمثل رغبة حقيقية في منع وقوع السيناريو المأساوي الذي لا يمكن لأحد تصور شكله.
في الأيام القادمة, من المتوقع أن يحاول الأميركيون اعادة رسم اتفاق جنيف بشروط جديدة, عبر تحقيق انتصارات على الأرض سواء أكان ذلك بواسطة العمليات العسكرية أو التفوق الاعلامي, و الذي سيمنحهم –بلا شك- تفوقاً سياسياً و دبلوماسياً, لهذا عبرت فكتوريا نولاند الناطقة باسم الخارجية الأمريكية عن ضرورة دعم المعارضة حتى ينتهي الأمر بخروج الأسد.
للأسف فان اصرار الولايات المتحدة على عدم الالتزام باي صيغة للانتقال السياسي, و سعيها المستمر لتحصيل مكاسب سياسية عبر توتير الاوضاع على الأرض, قد يؤدي الى وصول الاوضاع الى نقطة لا يمكن السيطرة عليها جغرافياً و عسكرياً, فتحول الازمة السورية الى أزمة اقليمية بات محتملاً جداً خصوصاُ ان كل عوامل الانفجار قد اكتملت من حشد لمسلحين و انتشار للسلاح و توتر على الحدود.
لا بد للجميع ان يقتنع ان انهاء الأزمة عسكرياً هو أمر مستحيل, و ان الطموح الأمريكي الذي يدفع بخروج الأسد من المشهد بأي طريقة هو طموح سيؤدي مستقبلاً الى مشاكل أعمق. ذاك ان الكثيرين اليوم في سوريا لن يتركوا السلاح حتى في حال خروج الأسد دون أي مظلة انتقال سياسي توافق عليها جميع الأطراف. اذاً فالضامن الوحيد للإبقاء على وحدة الدولة السورية و انتقالها سياسياً الى مرحلة أكثر ديمقراطية يكون عبر تبني جميع أطراف المجتمع الدولي لمخرجات مؤتمر جنيف الواقعية و اعتبارها الأساس لبناء مرحلة الانتقال السياسي في سوريا.