كان هاجس الحكم بداية تكوين الدولة منصبا على كيفية الحفاظ على بقائها (الدولة) واستمرار ترسيخ كيانها ، أمام جماعات وأحزاب عقائدية وقومية ، كان هدفها إنشاء شكل آخر للدولة بالمؤامرة والانقلاب على مبادئها ، وليس المساهمة في بنائها بطرق ديمقراطية سلمية توصلها إلى مواقع السلطة مما دفع أركان الحكم لتجاوز تلك الأحزاب والاتصال مباشرة مع الشعب من خلال العشائر وتقريب شيوخها وإيلاء العناية لأبنائها ، وكان ما كان من بعض التشوهات إلا أننا استطعنا بعون الله وبحكمة القيادة وهمة المخلصين من أبناء الوطن ، الحفاظ على كيان أردني نقي ، نتفيأ ظلاله وننعم بأمنه واستقراره الآن .
ليس بيننا نحن الأردنيين جميعا من هو مقطوع من شجرة ! فكلنا أبناء عائلات وعشائر كان لأبنائها دور هام في تأسيس وبناء الدولة الأردنية ، وكلنا يعتز بشرف نسبه وأصله وفصله ، وما زالت عشائرنا تشكل دعامة اجتماعية أصيلة في مجتمعنا الساعي لاستكمال التحول إلى الدولة المدنية الحديثة ولا زال للعشيرة دور اجتماعي بارز في صون ما نتمتع به من أمن وأمان وسط منطقة مضطربة تعج بالتناقضات .
لكن التغير في التكوينات الإجتماعية وازدياد الوعي السياسي لدى المواطنين أفرادا وجماعات ، وانخراط الكثير من أبناء العشيرة في مؤسسات المجتمع المدني وفي أحزاب حديثة أنشأها وطنيون أردنيون يؤمنون بشرعية النظام ويتخذون من النهج الديموقراطي طريقا لتداول السلطة ، لا بد وأن يواكبه تغيير في التعاطي مع المسألة السياسية سواء في تشكيل الحكومات أو الترشح لمقاعد مجلس النواب القادم ، إذ لا يعقل أن نجد بين ظهرانينا من لا زال يعلن في الصحف اليومية والمواقع الإلكترونية عن دعوة عشيرته للإجتماع والإعلان عن إجماعها لترشحه للإنتخابات القادمة وكأننا أمام تشكيل مجلس عشائري نسعى أن يمثلنا فيه أحد الأقارب بعيدا عن النظر لمصلحة الوطن وما ينتظر النائب من مهام جسام في المراقبة والتشريع ورسم مستقبل أبنائنا وبناتنا لعقود قادمة ، وماذا يعني لي كناخب في البلقاء مثلا ، أن تتفق عشيرة كذا على ترشيح إبنها فلان لخوض الانتخابات في دائرتي الانتخابية أو أي دائرة أخرى ! لقد آن الأوان لتغيير ما في نفوسنا لتتغير أحوالنا ، مصداقا لقوله تعالى في سورة الرعد ( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) ولا يعني ذلك بالتأكيد الإنقلاب على الأهل والعشيرة فمناسبات اجتماعهم على الخير مرحب بها في كل الأوقات ، ومصلحة الوطن هي الأهم وهي بطبيعتها لا تتعارض مع المصلحة الجمعية لكل أهلنا وعشائرنا ، لكنها صيحة ضمير لاتقاء الله في النفس والوطن وتحكيم العقل والضمير في اختيار الأكفأ والأقدر على تمثيل كل أبناء الوطن وصون مكتسباتهم وتحسين معاشهم ، بعيدا عن مصلحة فردية زائلة أو قرابية زائفة توصلنا إلى أعضاء في مجلس النواب شهدنا أمثالهم تحت القبة ، فالمرحلة القادمة من أهم المراحل التي يمر بها الوطن وأحرجها ، ولا بد من مواجهتها بالعزيمة القوية الصادقة .
mustafawaked@hotmail.com
الرأي