الحكومة البرلمانية والنظام السياسي الاردني
د. هايل ودعان الدعجة
13-12-2012 08:12 PM
اخذ الحديث عن تشكيل الحكومات البرلمانية يستحوذ على اجندة المشهد الوطني ، وبدا انه شكل اضافة نوعية الى الموضوعات والقضايا التي يحفل بها مشروع الاصلاح الاردني . الا ان اللافت في موضوع التعاطي مع هذا الطرح الديمقراطي ، الذي يعول عليه كثيرا في رفد مسيرتنا الاصلاحية بالفكر السياسي التنظيمي والمؤسسي والبرامجي ، وجود حالة من الضبابية تغلف تفسيرات وتصورات البعض عن هذه الحكومات ، بصورة قادت الى تعدد وجهات النظر حيال الشكل او الصيغة التي ستكون عليها الحكومة القادمة . ما يبرر التأكيد بان تشكيل الحكومة البرلمانية الفاعلة والمستقرة والقوية مشروط بوجود حالة من النضج والوعي والثقافة السياسية لدى المكونات المجتمعية المختلفة خاصة الاحزاب السياسية .في مثل هذا النوع من الحكومات الموجود في الانظمة البرلمانية ، فان الحزب الذي يحصل على اغلبية مقاعد البرلمان يشكل الحكومة ، ويسيطر بالتالي على العملية السياسية بشقيها التشريعي والتنفيذي ، ويصبح رئيس الوزراء الذي يتمتع بصلاحيات سياسية واسعة هو الرئيس الفعلي ، بينما لا يتمتع رئيس الدولة باية صلاحيات او سلطات حقيقية .
وتتمثل اهم العيوب التي تبرز هنا في احتكار السلطة من قبل الاغلبية ، واستثناء الاقلية منها ، بحيث تلجأ الاغلبية الى اساءة استخدام السلطة وتوظيفها في رعاية مصالح قواعدها الانتخابية والفئات التي تمثلها ، ما يحول السلطة الى حلبة صراع بين الاغلبية والاقلية ، التي قد تلجأ الى الانتقام من الاغلبية في حالة وصولها الى الحكم في المستقبل من خلال توظيف السلطة ايضا في خدمة مصالح رعاياها . وفي حال عدم حصول أي من الاحزاب على الاغلبية يصبح البديل تشكيل حكومة ائتلافية من عدة تنظيمات او احزاب . ويؤخذ على هذا النوع من الحكومات ان عمرها قصير وهشة وضعيفة وقد تبرز هناك حاجة للتحالف مع احزاب صغيرة من اجل تشكيل الحكومة ، ما يمنح هذه الاحزاب ثقلا سياسيا يفوق حجمها ، وقد تلجأ الى الابتزاز السياسي لتحقيق مكاسب مختلفة مستغلة حاجة المكونات الحزبية الاخرى لها ، ما يؤدي الى حالة من عدم الاستقرار وعدم الاستمرارية في السلطة التنفيذية . وقد تتعاظم المشاكل في حالة الحكومات الائتلافية خاصة عند تشكيلها من قبل احزاب عقائدية ومركزية التنظيم ، بحيث يصبح من الصعب التوافق على رؤى وقواسم مشتركة بسبب التضارب والتناقض في الاولويات والطروحات ما يجعل هذه الحكومات عاجزة عن التوافق على برامج سياسية .
وفي الاردن فقد منح الدستور الملك الصلاحيات التي يملكها رأس الدولة في النظام البرلماني الرئاسي المختلط (النظام الفرنسي)، وكذلك الصلاحية التشريعية (الفيتو التشريعي) التي يمتلكها رئيس الدولة في النظام الرئاسي (الاميركي). اضافة الى تمتع الملك بصلاحيات دستورية اخرى لا يتمتع بها رأس الدولة في الانظمة السياسية السابقة ، كتعيين الاعيان والفيتو النهائي على التشريعات الدستورية . اضافة الى ان النظام السياسي الاردني الذي تتمتع فيه السلطة التشريعية بدور رقابي على اداء الحكومة واعمالها ، بعيد كل البعد عن النظام البرلماني الذي لا يتمتع فيه رئيس الدولة باية سلطات سياسية فعلية ، لان الرئيس الفعلي للسلطة في هذا النظام البرلماني هو رئيس الوزراء .
كذلك فان صلاحية الفيتو التشريعي والفيتو الدستوري التي يتمتع بها راس الدولة في الاردن ، كفيلة بتلافي ظهور سلبيات عدم الاستقرار واشكاليات حدوث ازمات سياسية ودستورية ، ناتجة عن تضارب الارادات السياسية بين راس الدولة والبرلمان. ما يعني ان صلاحيات الملك الدستورية كفيلة بمعالجة اية اشكاليات سياسية قد تبرز او تحدث بين مؤسسات الدولة المختلفة ، ما يجعل النظام السياسي الاردني يتسم بالثبات والاستقرار والاستمرارية .