ما يهمني في الحوارات الثنائية التي يعقدها جلالة الملك في بعض المنازل, هو الشق الإقتصادي في نتائجها, وهي في مجملها تعكس وجهة نظر واحدة بتباينات ليست جوهرية, وهو نتاج طبيعي للون واحد هو القاسم المشترك لكل « النخب « التي حظيت بهذه اللقاءات لكن هناك حتما رأي آخر , والمسألة ستحتاج الى مؤتمر وطني عام تتساجل فيه الأراء لتخرج برؤية توافقية على قاعدة المصلحة الاقتصادية الوطنية .
لـ "الحراكيين" وجهة نظر في السياسات الإقتصادية التي أهملت المحافظات والخصخصة التي همشت العمال, بالمقابل ثمة وجهات نظر أخرى متعددة « ليست ليبرالية « تخالف مثل هذا الطرح , وحتى لا يتعجل البعض في الحكم هي لا تنتمي لنخب الليبرالية المتهمة بالأخطاء المفترضة, بل هي شرائح واسعة تنتمي الى الطبقة المتوسطة في القطاع الخاص, فالسياسات الإقتصادية من وجهة نظرها فيها أخطاء لكن فيها أيضا كثير من الصواب, الذي لا ينكره كثير من السياسيين حتى أشدهم نقدا للسياسات, وهوما سيحتاج الى دراسة علمية محايدة ننتظر ان تقوم بها لجنة طلب الملك من الحكومة تشكيلها, والى ذلك فالمشكلة التي يجب أن نحرص على عدم الوقوع في فخها مجددا هي احتكار الحقيقة بشعارات عامة تخلو من التقييم المهني لكن فيها كثير من الإنحياز للشعبية .
ثمة أصوات عدة لم يسمح لها الضجيج الذي لم يهدأ بأن تجد مساحة , وثمة طبقة من صغار رجال الأعمال والصناع والمهنيين وقد لاذوا بالصمت حتى اللحظة يحملون مثل هذه الأصوات في زحمة احتلال المنابر وفي مواجهة الإقصاء المسلح بالترهيب والحقوق المعلقة والعدالة المشروطة .
الأزمة المالية العالمية عاجلت النتائج , والا ما الذي يدفع الناس في اليونان وإيطاليا وبريطانيا وفرنسا والبرتغال للخروج الى الشوراع في حراكات تشبه كثيرا تلك التي يشهدها بلدنا .. هل المواطن في تلك الدول كان مهمشا سياسيا واقتصاديا ؟. إنها الهموم والمشاكل ذاتها وإن اختلفت في بعض أشكالها , الفقر والبطالة والتضخم , وهي تلك التي إنحسرت عنها أعتى أزمة مالية وإقتصادية منذ ثلاثينيات القرن الماضي وإن كان من إضافة فهي تلك التي تتعلق بعدالة التمثيل.
الحوارات التي يقودها الملك شخصيا , حوارات مطلوبة وصحيحة , تجمع لأول مرة نشطاء من الحراك وممثلين لقوى سياسية صاعدة ومثقفين يساريين , وهي إن كانت قد هدمت نصف جدار بين الملك وبين قوى تمثل الحراك وبعض القريبين منه , فثمة نصف آخر في الانتظار .
هدم الجدار سيحتاج لما هو اكثر من حوارات ثنائية , بإنتظار مؤتمر وطني عام يدخل الى عمق الأزمة الإقتصادية تتاح فيه المنابر للجميع .
qadmaniisam@yahoo.com
الرأي