* مصباح علاء الدين وربيع الشركات المساهمة في العالم العربي
(الجزء الثاني )
عمون - بقلم : الدكتور فاروق الخاروف * - تقوم الشركات المساهمة بدور هام جداً في تحقيق النمو الإقتصادي وخلق فرص العمل، وتحقيق الرخاء العام وذلك لأنها تستطيع تجميع مبالغ كبيرة من المال من صغار المدّخرين وإنشاء المشاريع الضخمة التي يعجز عنها الأفراد. لقد تم وضع قواعد حوكمة الشركات لضمان حسن إدارة الشركات المساهمة بما يضمن مصلحة المساهمين نظراً لانفصال إدارة مثل هذه الشركات عن ملكيتها، إذ يوكل المساهمون إدارة هذه الشركات لأشخاص مؤهلين علمياً وعملياً. وقد أظهرت الأزمة الإقتصادية المالية في الأعوام 2007 و2008 وجود خلل كبير في أنظمة حوكمة الشركات في معظم بلدان العالم. وشهدنا على الساحة الأردنية مؤخراً أحداثاً مثيرة للاهتمام والعجب قد يصعب تفسيرها، غير أنها تمهّد الطريق أمامنا لاتخاذ خطوات إيجابية للمضي إلى الامام.
إن تحقيق الحوكمة الرشيدة في عالمنا العربي يتطلّب الكثير من التنظيم والعمل، غير أنه يمكن اتخاذ خطوات هامة وبسيطة في الوقت نفسه تؤدي إلى نقلة نوعية في هذا المجال.
أقلية الأغلبية وأغلبية الأقلية
في معظم الأحيان لا تزيد نسبة الحضور لاجتماعات الهيئة العامة في الشركات المساهمة عن 80% من الأسهم سواء أكان ذلك بالحضور شخصياً أم بالتفويض، ووفقاً للقوانين السائدة حالياً في الأردن يتمكن مساهمون يملكون 40% من الأسهم من تحديد كامل أعضاء مجلس الإدارة، وانتخاب الذين تكون أسماؤهم مكتوبة على ورقة صغيرة في يد رئيس الجلسة ( وعادة ما يكون رئيس مجلس الإدارة المنتهية مدته القانونية).
في كثير من الأحيان يحصل رئيس مجلس الإدارة بطريقة أو بأخرى على توكيلات من المساهمين تعطيه الأغلبية في اجتماع الهيئة العامة وبالتالي تحديد أعضاء مجلس الإدارة. إن الطريقة السائدة حالياً والتي يتم بها تحديد أعضاء مجلس الإدارة وانتخابهم تمنع مساهمين يحملون ما يزيد عن 60% من الأسهم وخاصة المساهمين الصغار من أن يكون لهم ممثلون عنهم في المجلس، وتعطي أقلية الأغلبية السيطرة الكاملة على الشركة إلى أبد الآبدين.
ولإصلاح هذا الخلل لجأت الدول المتقدمة إلى عدة إجراءات منها:
تخصيص نسبة محددة من مقاعد مجلس الإدارة (20% مثلاً) لصغار المساهمين. وتبين هذه الإجراءات من أجل تفعيلها كيفية اختيارهم وتتضمّن تحديداً صريحاً لهم وتقدم بيانات وافية بكفاءاتهم العلمية والعملية.
إجراء الانتخاب والتصويت في الهيئة العامة على أساس تراكمي، على أن يكون هذا القرار ملزماً للشركات المساهمة كما في المملكة العربية السعودية وليس إختيارياً كما في الأردن، وإذا ما طبّق هذا القانون فإن أقصى ما تستطيع إنتخابه أقلية الأغلبية التي تملك 40% من الاسهم - في الحالات المثالية- 40% من أعضاء مجلس الإدارة.
هيئة (جمعية) مستقلة للمساهمين ..
نظراً لضعف الإمكانات الفردية لصغار المساهمين وحملة السندات، ولتشتت أماكن وجودهم فإنهم يقومون بتكوين هيئة أو جمعية ذات شخصية معنوية لتمثيلهم ورعاية مصالحهم، ومن أشهرالبلدان التي يوجد فيها مثل هذه الجمعيات الولايات المتحدة الأمريكية وهولندا وأستراليا.
ويمكن تلخيص غايات هذه الجمعية بما يلي:
العمل على تحقيق أعلى مستويات الحوكمة المؤسسية المتعارف عليها محلياً وعالمياً في الشركات المساهمة.
الدفاع عن حقوق المساهمين في الشركة وخاصة الصغار منهم.
تمثيل صغار المساهمين في مجلس الادارة.
العمل مع إدارة الشركة ومجلس إدارتها من أجل الشفافية والإفصاح الكامل عن المركز المالي وجميع الأمور المؤثرة في عملها ومسيرتها.
ضمان تطبيق الشركة للأنظمة السليمة التي تؤكد المساءلة وتحمل المسؤولية وتعزيزها من قبل الإدارة التنفيذية ومجلس الإدارة، وتفعيل النظم الأخلاقية التي تضمن سلامة العمل ونزاهته.
التعاون وتعزيز خطوط الإتصال بين المساهمين والشركة والسلطات الرقابية والتشريعية.
رفع مستوى الثقافة المؤسسية لدى المساهمين بعقد المؤتمرات والندوات لتعزيز مستويات الوعي لدى المساهمين ودفعهم لاتخاذ القرارات على أسس سليمة.
ويمنح قانون الشركات الأردني من خلال نظام الشركات التي لا تهدف إلى تحقيق الربح رقم ( 73 ) لعام 2010 أو قانون الجمعيات رقم (51) لعام 2008 إمكانيات عملية لتكوين مثل هذه الهيئات.
إعادة النظر في القوانين المتضاربة .
في البلدان العربية هناك عدة مصادر للقوانين التي تحكم أعمال الشركات المساهمة في البلد الواحد ومنها على سبيل المثال قانون الشركات رقم (22) للعام 1997 في الأردن والذي تشرف على تنفيذه وزارة الصناعة والتجارة وقانون البنوك رقم (28) للعام 2000 المنوط بالبنك المركزي الأردني، وقانون الأوراق المالية (قانون مؤقت) رقم 76 للعام 2002 الخاضع لمتابعة هيئة الأوراق المالية. ومن الجدير بالذكر هنا أن هذه القوانين لم تعدل كما عدلت القوانين في مختلف بلدان العالم كي تعكس متطلبات الحوكمة المؤسسية السليمة وخاصة بعد أحداث الأزمة المالية في العام 2008.
وهناك بعض المواد في هذه القوانين تحتاج إلى التنسيق وإعادة النظر فيها من أجل منع الشركات المساهمة من التغاضي عن الإلتزام بنص ما لأنه يتعارض مع نص آخر في قانون مختلف. فعلى سبيل المثال تنص المادة (43) من قانون الأوراق المالية (قانون مؤقت) رقم 76 للعام 2002 بأنه يتوجب على كل مصدر أن يقدم إلى الهيئـــة - وفقاً للتعليمات التي يصدرها المجلس- تقريراً نصف سنوي يقدم خلال ثلاثين يوما من تاريخ انتهاء نصف سنته المالية، في حين أن تعليمات البنك المركزي تنص على وجوب الحصول على موافقة خطية مسبقة من البنك المركزي قبل نشر البيانات علماً بأنه من الناحية العملية يصعب الحصول على موافقة البنك المركزي الخطية في غضون شهر، وذلك لأن إجراءات إعداد البيانات المالية وإجراءات مراجعة البنك المركزي لها تتطلب فترة تزيد عن الشهر.
على الرغم من إصدار البنك المركزي الأردني وهيئة الأوراق المالية لتعليمات الحوكمة المؤسسية، إلا أن ما يؤخذ عليها هو عدم صدورها استناداً إلى قانون، مما جعل تطبيقها غير إلزامي باستثناء النصوص المرادفة لنصوص مواد قانونية. وتبرر الهيئات الرقابية هذا الأمر، بأنه يمنح الشركات مرونة في التطبيق ووقتا كافياً للتكيف مع متطلبات الحوكمة مما يعزز الوعي بهذه القواعد ومن ثم يحقق الالتزام الكامل بشكل متدرج. يضاف إلى ذلك عدم تناغم التشريعات مع المتغيرات في بيئة الأعمال، إذ أنّ الأزمة العالمية التي عصفت بالعالم بأسره دفعت المشرعين في معظم دول العالم إلى إجراء تعديلات تشريعية جذرية وخاصة في مجال الحوكمة المؤسسية.
لا شك أنه من الضروري أن تتكون هيئة موحدة تمثّل جميع الجهات المنظمة لأعمال الشركات المساهمة لإعادة النظر في القوانين السائدة والتنسيق بينها ووضعها موضع التنفيذ الفعلي.
يقظة النائمين ..
على الرغم من حضور مندوبي السلطات الرقابية (البنك المركزي في حالة المصارف، هيئة الاوراق المالية ومراقبة الشركات) لاجتماعات الهيئة العامة وحصولهم على نسخ من تقارير الشركات، إلا أن تطبيق قواعد الحوكمة المؤسسية لا ترقى إلى المستوى المأمول، وقد يعزى السبب في ذلك إلى كونها غير صادرة بموجب قانون ليكسبها الصفة الالزامية. وقد يكون هنالك ايضاً قصور من الجهات الرقابية في متابعة تنفيذ النصوص القانونية كالاقتراع السري في اجتماعات الهيئات العامة أو حصر الأصوات.
إنّ من الأهداف الأساسية المرجوة من الوصول إلى منظومة جديدة متناسقة من القوانين والتشريعات التي تحكم مجريات الشركات المساهمة وخاصة فيما يتعلق بحماية حقوق المساهمين، هو وضع إطار عام لمسؤولية القائمين على هذه الشركات وكذلك القائمين على مراقبتها، مما سيحدد بوضوح الأمور التي تضمن قيام الشركات المساهمة بتنفيذ متطلّبات القانون في مجال الحوكمة الرشيدة، كما أنه سوف يحدد أيضاً الأشخاص المسؤولين عن الرقابة على هذا الدور ويضع إطاراً عاماً لقياس كفاءة أدائهم، وإلزام الاشخاص ذوي العلاقة بالالتزام بما يحقق مصلحة الشركة.
ضبط علاقة ذوي العلاقة ..
إن عدم ضبط علاقة ذوي العلاقة هو من أكثر الأمور التي تعيق تحقيق مستوى جيد من الحوكمة المؤسسية. فعلى سبيل المثال كيف نمنع انتفاع الأشخاص ذوي العلاقة كأعضاء مجلس الإدارة من معرفة الأحداث المؤثرة قبل الإفصاح عنها للعموم، وكيف نضع إطاراً عاماً للتعامل الشخصي لذوي العلاقة مع الشركة كالاقتراض أو الانتفاع المباشر عن طريق الرواتب والمكافآت والبدلات.
إن القوانين والتعليمات السائدة حالياً في العالم العربي في هذا المجال تحتاج الى إعادة نظر كاملة وهيكلة جديدة، فعلى سبيل المثال لا يكفي كما في الأردن أن يفصح الشخص المطّلع عن بيعه أو شرائه لأسهم الشركة في خلال أسبوع من إجراء العملية، بل من الضروري أن يتم منعه من التداول بأسهم الشركة في اللحظة التي ينشأ فيها الحدث المؤثر ولفترة كافية تصبح في أثنائها المعلومات حول هذا الحدث معروفة ومتداولة من الجمهور العام المعني بالشركة.
إن الإنتفاع بالمعلومات غير المفصح عنها يعتبر جريمة يعاقب عليها بالسجن في البلدان المتقدمة، لأن الوكالة التي منحت لهم من قبل المساهمين هي أمانة لا تخوّلهم الانتفاع منها.
للاطلاع على الجزء الاول :
http://www.ammonnews.net/article.aspx?articleno=139010