عمون - لم ألتق الملك عبدالله الثاني سابقا؛ وحين التقيته، مع ثلة من الرفاق والأصدقاء، في دارة معزّبنا الكريم، الدكتور رجائي المعشر، خرجتُ بثلاثة انطباعات عن شخصيته؛ إحساسه بنفسه كمواطن، وانفتاحه الودي وصراحته التي بلا حدود، وسعة صدره الاستثنائية على استيعاب الآراء والطروحات التي تخترق كل السقوف.
اكتشفتُ، بعد ثلاث ساعات من الحوار الصريح جدا، أننا لسنا بصدد لقاءات تندرج في إطار العلاقات العامة، وإنما في إطار مسعى جدي لبناء علاقات سياسية على أساس التحالف المدني. ربما وجد الملك، أن التطورات المحلية والإقليمية والدولية، قد طرحتها على جدول الأعمال.
رسائل الملك العديدة كانت شديدة الصراحة ( ولسوء الحظ، فإنني ملتزم بعدم الإفصاح عنها جميعا)، لكن لدى الملك، ابتداء، حزمة من المواقف التي تشكل قاعدة للحوار مع اليساريين والحراكيين، منها، أولا، التزامه المستمر بعدم التورّط في سورية، رغم الضغوط الثقيلة ومهما كان الثمن، وثانيا، التزامه بعدم الخوض، تحت أي تهديد أو إغراء، في أية مشاريع فدرالية أو كونفدرالية مع الضفة الغربية أو القيام بأي دور أردني فيها، ما عدا تقديم الدعم لمشروع الدولة الفلسطينية المستقلة في حدود ال67، وعاصمتها القدس، وثالثا، موقفه المعارض للمحاور الإقليمية ورفضه الباتّ للتورط في أي نزاع مذهبي، سني ـ شيعي ، وخامسا، التزامه برفض الحل الأمني للأزمة الداخلية، واعلانه أن الاعتقالات الأخيرة، "خطأ" عابر، بادر إلى إصلاحه بإطلاق المعتقلين، والتأكيد على طيّ صفحة الاعتقالات السياسية نهائيا، وسادسا، استعداده لدعم صيغ يسارية في مجالات محددة ( أنا يساري في التعليم والتأهيل والصحة والمرأة)، ومناقشة الرؤية اليسارية في مجالات أخرى، اقتصادية واجتماعية وثقافية. وسابعا، التزامه بالانتقال، بعد الانتخابات المقبلة، إلى صيغة حكومة برلمانية تتشكل بالاستشارات النيابية، وتنتقل إليها الصلاحيات، في إطار المبدأ الدستوري للولاية العامة لمجلس الوزراء.
الحوار السياسي بدأ من دون مجاملات، وقدّم المشاركون، خلاله، طروحات بلا سقوف حول الفجوة العميقة الحاصلة بين الشعب والحكم ووهدة الفقر والتهميش التي تعيشها المحافظات ومؤسسة الفساد والخصخصة والسياسات الاقتصادية والاجتماعية وعلاقات المملكة العربية والدولية. وكان لافتا أن الملك استوعب، وديا، الطروحات غير المسبوقة في سقفها من قبل اليساريين والحراكيين المشاركين، وردّ عليها بشرح مستفيض لتفاصيل المعركة التي يخوضها الأردن، على المستويين، الإقليمي والدولي، بالأظافر والأسنان والدبلوماسية معا.
الموقع الجيوسياسي للأردن ( بحدوده الطويلة المتداخلة مع السعودية والعراق وسورية وفلسطين والبحرية مع مصر) وتشابك علاقاته الاقتصادية والسياسية والأمنية والديموغرافية مع جيرانه، يمنحانه القدرة على القيام بالكثير لإنقاذ نفسه. لكن لليساريين والحراكيين إضافة جوهرية: لا يمكن الصمود من دون تحالف وطني اجتماعي يقوم على الاقتصاد العادل والديموقراطية الاجتماعية وإعادة توجيه السياسة الخارجية نحو التوازن، خصوصا لجهة استعادة زخم العلاقات الثنائية مع العراق.
لقاءات الملك بالقوى اليسارية والقومية والحراكية والاجتماعية، يمكنها أن تطلق حراكا سياسيا جديدا، يكسر ثنائية النظام / "الإخوان". ولا يعني ذلك عزل الإخوان وحلفائهم، ولكنه يدفع باتجاه مشهد تعددي. "العرب اليوم"
nahed.hattar@alarabalyawm.net