لا يمكن فهم ما يجري في مصر إلا بعد الدخول في التفاصيل لمعرفة ماذا يريد المعارضون لمشروع الدستور الجديد، ولماذا يعارضونه بهذه الشراسة.
بعد الاطلاع على كل المواد التي يرفضونها وجدت أنها تتعلق ببنية المجتمع الدينية والثقافية والأخلاقية، وهي تنبع جميعها من خلفية إسلامية، أي أن الرافضين لمشروع الدستور يرفضون كل المواد ذات المحتوى الإسلامي او الخلفية الحضارية للشعب المصري رغم أن 93 في المائة من المصريين مسلمون.
ولكي لا نبقى في حدود العموميات سأورد بعض المواد التي يشنون ضدها حربا صليبية لإسقاطها وإلغائها، فمثلا تنص المادة الأولى من مشروع الدستور على أن "الشعب المصري جزء من الأمتين العربية والإسلامية" والمعارضون يريدون اسقاط "الإسلامية"، كما يعارضون المادة الثانية التي تنص على أن "الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع"، وهذا ينطبق على المادة الرابعة على تتناول دور الأزهر، ويعارضون أي دور له في مصر، وهذه المادة تنص على:" يؤخذ رأى هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف فى الشؤون المتعلقة بالشريعة الإسلامية" ويدعون أن هذه المادة ستجعل للأزهر الكلمة العليا وهيمنة على غرار "ولاية الفقيه" في إيران، وكما هو واضح فأنهم يعارضون البعد العربي والإسلامي في الدستور، أي انهم يريدون تشكيل هوية الشعب المصري بعيدا عن جذوره الدينية واللغوية العروبية.
كما يعارضون المادة 11 والتي تنص على: "ترعى الدولة الأخلاق والآداب والنظام العام، والمستوى الرفيع للتربية والقيم الدينية والوطنية، والحقائق العلمية، والثقافة العربية، والتراث التاريخي والحضاري للشعب"، والمادة 12 التي تنص على:" تحمى الدولة المقومات الثقافية والحضارية واللغوية للمجتمع، وتعمل على تعريب التعليم والعلوم والمعارف"، فهم يتهمون مشروع الدستور انه سيحول الدولة إلى "شرطة آداب"، ويدعون إلى حرية الفرد بدون رقيب ولا حسيب، وانه لا يجوز للدولة أن تتحول إلى "حارس" للأخلاق، أو "هيئة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، كما يعارضون بشراسة "تعريب التعليم"، ويرفضون أي "هيمنة" للغة العربية على العملية التعليمية في مصر. وكذلك يعارضون المادة 75 التي تجعل ممارسة جميع الحقوق والحريات خاضعة لشرط عدم التعارض مع مقومات الدولة والمجتمع.
وهم يرفضون أيضا المادة 220 التي تنص على:" مبادئ الشريعة الإسلامية تشمل أدلتها الكلية وقواعدها الأصولية والفقهية ومصادرها المعتبرة في مذاهب أهل السنة والجماعة"، معتبرين أن هذه المادة تعتبر تعديا على التوافق العام، ويطالبون بتعديل المادة 10 التي تنص على :"الأسرة أساس المجتمع، قوامها الدين والأخلاق والوطنية.وتحرص الدولة والمجتمع على الالتزام بالطابع الأصيل للأسرة المصرية، وعلى تماسكها واستقرارها، وترسيخ قيمها الأخلاقية وحمايتها"، وهم يرغبون بمادة مفتوحة ربما تتيح المجال لدمج الشواذ في المجتمع مستقبلا إذا سمحت الظروف، وفتح الباب أمام تغيير تعريف الأسرة لتشمل "زواج الشواذ".
كما طالبوا بإضافة نص إلى المادة 48 يدعو إلى "حظر إنشاء أحزاب سياسية على أساس ديني أو جغرافي"، ويعارضون المادة 51 التي تنص على:" للمواطنين حق تكوين الجمعيات والمؤسسات الأهلية، والأحزاب بمجرد الإخطار، وتمارس نشاطها بحرية، وتكون لها الشخصية الاعتبارية ولا يجوز للسلطات حلها أو حل هيئاتها الإدارية إلا بحكم قضائي"، ويريدون إضافة نص يمنع تأسيس أحزاب على أساس ديني.
إضافة بالطبع إلى معارضتهم لمواد تتعلق بصلاحيات الرئيس ويطالبون بإدخال تعديلات تحد من سلطاته مثل 131 و 139 و151 والتي يهدفون من ورائها على شل حركة الرئيس تماما وتحويله إلى "رئيس بروتوكولي ما بهش ولا بنش"
المثير حقا هو معارضتهم إبعاد الفلول من الحياة السياسية ولذلك فهم يرفضون بشراسة المادة 232 التي تنص على:" تمنع قيادات الحزب الوطني المنحل من ممارسة العمل السياسي والترشح للانتخابات الرئاسية والتشريعية لمدة عشر سنوات".
هذه هي ابرز المواد التي يعارضها محمد البرادعي وعمرو موسى وحمدين صباحي ونادي القضاة، وهي في غالبيتها تتعلق بالبعد الإسلامي والعربي والثقافي والحضاري لمصر، وليس لها علاقة بالحريات الفردية والجماعية اللهم إلا ابقاء الباب مفتوحا أمام "الشواذ" ليدخلوا في تعريف "العائلة والأسرة" عندما تكون الظروف مواتية، ولهذا يرفضون ما يسمونه "دستور الإخوان والسلفيين" لأنه حسب رأيهم يعبر عن "مصالحهم ومبادئهم ويفرض شكل الدولة بصورة التي يرغبون بها".
مشروع الدستور المصري الجديد هو اجتهاد بشري مثل كل الدساتير في العالم، وهو قابل للتعديل والتغيير والتبديل حسب حاجة المصريين، وهذا أمر نتفق عليها جميعا، ولكن ما نرفضه هو أن تقوم "أقلية" بفرض وجهة نظرها الفكرية والثقافية والتاريخية على المجتمع ومحاوله فصله عن جذوره العربية والإسلامية، بمعارضة الشريعة الإسلامية واللغة العربية على الرغم من أنهما مطلبان شعبيان لغالبية الشعب المصري.
ومع إيماننا أن الشعب المصري، يريد الإسلام والعروبة والتعريب وحماية الأخلاق، فان على الإسلاميين في مصر قبول تعديل مشروع الدستور والتنازل عن كل الفقرات المرفوضة صوتت غالبية المصريين بـ "لا" في الاستفتاء ورفضته في صناديق الاقتراع، وهذا من أصول اللعبة الديمقراطية.. لكن المشكلة هي أن هؤلاء "الفلول" ومعهم بقايا اليسار والليبراليين يهربون من استحقاقات العملية الديمقراطية السلمية ويريدون فرض وجهة نظرهم على المجتمع رغم انفه، لأنهم يعلمون تماما انهم سيخسرون في أي "تحد ديمقراطي"، وهذا يجعلنا ننادي بوحدة الإسلاميين في مصر والعالم العربي والعالم كله لدعم مشروعهم الحضاري، في مواجهة هذه الأقلية المتغربة المدعومة بالمال الفاسد والإعلام الأفسد .. فالصراع لا يدور على الدستور فقط، بل على هوية المجتمع وثقافته وإسلامه وحضارته وإرادته وخياراته.
hijjawis@yahoo.com
(الشرق القطرية)