مشاركة الطبقة الوسطى في إنجاح الديموقراطية
د. سامي الرشيد
12-12-2012 12:44 PM
إن التحول الديموقراطي خلال العقدين الماضيين، في شرق أوروبا ووسطها وأمريكا اللاتينية وبعض الدول الآسيوية كان أساسه ونجاحه بسبب الدور الفاعل للطبقة الوسطى.
لقد أصبح هذا الدور بمثابة قاعدة عامة، وأول ما يعنى به دارسو التحول الديموقراطي، هو حالة الطبقة الوسطى، ومحاولة الإجابة على أسئلة أساسية تتعلق بها.
في مقدمة ذلك السؤال عما إذا كانت هذه الطبقة قادرة على قيادة البلاد للخروج من الأزمة المعقدة، المترتبة على عقود من الدكتاتورية والقهر والظلم والفساد، أم أنها هي نفسها مأزومة، وتحتاج إلى وقت لتجاوز أزمتها.
ربما يكون هذا السؤال سؤال الساعة في بعض البلدان، التي تبدو أزمتها العامة مرتبطة بأزمة الطبقة الوسطى الآن أكثر من أي وقت مضى، ولعل إنسحاب القسم الأكبر من الطبقة الوسطى من ساحات العمل العام تدريجياً، هو أحد أهم أسباب الارتباك في عملية الانتقال من عصر إلى آخر.
إن حضور الطبقة الوسطى في العمل العام على نطاق واسع شرط لا غنى عنه، لإنجاز الاستحقاقات الأساسية للتحول الديموقراطي، لكن فاعلية هذا الحضور وتوجهه نحو الأهداف الكلية المرتبطة بالمصلحة العامة، أكثر من تركزه على المطالب والمصالح الفئوية، هو الذي يجعله حاسماً في تجاوز مرحلة الانتقال بنجاح، وتحقيق التحول الديموقراطي الذي لا يقتصر على تأسيس أحزاب وانتخابات وتعديلات دستورية، فالديموقراطية ليست مؤسسات فقط، ولا انتخابات فحسب، بل هي قبل ذلك وبعده عملية مجتمعية، تقوم بها الطبقة الوسطى، بالدور الأكثر أهمية، وهو ضمان مشاركة القوى الفاعلية في المجتمع، وصاحبة المصلحة الأساسية في ترسيخ الحقوق والحريات العامة، وتحقيق العدالة الاجتماعية في آن واحد معاً.
يصعب تصور حدوث تقدم في هذا الاتجاه، دون حضور قوي لطبقة وسطى، مدركة لدورها، وقادرة على النهوض به، وواعية لمصالحها المرتبطة بنهضة المجتمع في مجمله.
يلاحظ أن قطاعات من الطبقة الوسطى تعبّر عن المطالب الفئوية في المقام الأول، وهي مطالب مادية فقط، وهذه القطاعات هي أعمدة أساسية للمجتمع من مثقفين ونقابيين وموظفين ومعلمين وغيرهم، وعلى الرغم أنها مطالب مشروعة ولكنها تضعف الحركة الديموقراطية وتحولاتها.
يعيدنا ذلك ولكن بشكل مختلف، إلى أحد جوانب المفهوم الماركسي للطبقة الاجتماعية، وهي الطبقة التي تعي ذاتها، والذي ارتبط طرحه بتقويم حالة الطبقة العاملة، ومدى وعيها بمصالحها الكلية، وقدرتها على التحول من طبقة في ذاتها إلى طبقة لذاتها.
والواضح أن الطبقة الوسطى في بعض البلدان العربية الآن ليست طبقة لذاتها، بمعنى أنها لا تعي ذاتها الكلية وما يقترن بها من مصلحة عامة، ولكن المشكلة الأكبر هي أنها لا تبدو حتى طبقة، (طبقة في ذاتها)، في معظم الأحيان، بل تكاد أن تتحول إلى فئات مبعثرة بتفاوت الوعي في داخل كل منها بدوره في اللحظة الراهنة.
هنا نرى انقساماً في صفوف بعض فئات الطبقة الوسطى، حيث يبادر جزء من هذه الفئة أو تلك إلى الاحتجاج سعياً إلى مطالب خاصة، بينما يرفض جزء آخر المشاركة في هذا الاحتجاج، ويقف ضدّه في بعض الأحيان بسبب تضارب المصالح وتفاوت الدخول واختلاف الظروف الاجتماعية.
ويؤدي انغماس كثير من المثقفين ومن فئات الطبقة الوسطى في النضال المطلبي وانقسامها على نفسها، إلى انصرافها عن دورها المفترض في قيادة المجتمع.
ليس ممكناً بمعايير النص والعقل والواقع، إنجاز تحول تاريخي، دون قاعدة اجتماعية، تستند عليها ودون مشاركة فاعلة من جانب المهنيين والتكنوقراط والمثقفين والموظفين، فضلاً عن طلاب الجامعات أبناء هذه الفئات الذين يقومون بدور بالغ الأهمية في مراحل التحول وتزداد أهمية الطلاب وغيرهم من الشباب الذين يعتبرون قادة المستقبل لبناء البلاد.
لذلك ربما يجوز القول أن الشرط الذاتي لفاعلية دور الطبقة الوسطى، قابل للتحقق إذا تحققت إلى طبقة لذاتها وبالتالي طبقة للبلد كله.
د. المهندس سامي الرشيد