يغيبون من مكانهم المعتاد فترة من الزمن ثم يعودون من جديد لممارسة أعمالهم باعتياد، «مهنيون جدا» ويعملون في عصابات ضمن تكتيكات مدروسة ولا يضيعون الوقت أبداً. منهم من يغير مكانه لعدم لفت النظر ومنهم من يتم القبض عليه من قبل لجان المكافحة ثم يخرج بكفالة مالية لا تزيد عن ثلاثين دينارا ويبدأ في ابتكار أساليب جديدة.
انهم متسولون متكررون ، منهم من كشفت التحريات عن امتلاكه ثروة تقدر بالآلاف اضافة إلى العقارات والسيارات. يشفق أحدهم على متسولة في وسط البلد ويقترح بأن يؤمن لها عملا بمئة وخمسين دينارا في الشهر بدل البهدلة في الشوارع ، لكنها تنتفض صارخة به: شو!!! أنا بطلعلي باليوم أكثر من أربعمائة دينار ، قالت كلمتها ثم ذابت في شوارع وسط البلد من جديد.
وكنت قبل أيام أقف على اشارة ضوئية عندما سمعت صوتاً يقول لي «والله مابشحد بس اسمعيني»، بدأ الفتى الصغير يخبرني أن أخيه الرضيع في البيت لا يجد الحليب ولا الدواء. صادف حينها أن كنا بقرب صيدلية وقلت له تعال إلى الصيدلية فأشتري لك ماتريد، لكنه رفض بحزم: لا لا ، مافي داعي تغلبي حالك أعطني عشرة دنانير وأنا أذهب لشراء كل شيء!. ومتسولات يفترشن الطرقات برفقة أطفال ليسوا أطفالهن بالتأكيد، كلهن بعمر شاب يؤهلهن البحث عن عمل، وهذا يؤكد أن التسول مهنة وليس حاجة.
العنوان في الأعلى يوحي لي بإسم مناسب لأحد أفلام الرعب، وهذا لا يختلف كثيرا إذا ماعرفنا أن الرقم 1919 هو الرقم الذي أورده خبر السبت الماضي على صفحات الرأي عن ضبط التنمية الاجتماعية 1919 متسولا في أسبوع واحد فقط منهم 250 طفلا ،مايؤكد تراخياً واضحاً في تطبيق المادة 389 من قانون العقوبات بحق المتسولين، وهو ماساهم في استمراء واستسهال التسول وغياب الرادع الحقيقي المأمول من ممارسة دور رئيسي لمديرية الأمن العام في ضبط المتكررين منهم والتحقيق معهم واحالتهم إلى القضاء، فماذا تعني كفالة عشرين أو ثلاثين دينارا لمن يجني أضعاف هذا المبلغ في أقل من ساعة. ما يفطر القلب هؤلاء الأطفال المدفوعون بالبرد بين أيدي المتسولات وأغلبهم يتم استئجاره لهذه الغاية، ومنهم من يمشي كالهائم على وجهه، ولا زلت أتذكر هذا الطفل الواقف بالبرد مرتجفا وعندما سألته لماذا أنت هنا قال بخوف واضح أن أخيه الكبير يقف على الاشارة الضوئية المقابلة وهو يضربه كل يوم ويجبره على التسوّل.
هل يكفي لمن يخدعون الناس ويدفعون بالأطفال إلى الشوارع حبس ثلاثة أشهر أوتكبّد عشرين ديناراً، وقد ضبط مؤخراً أحد المتسولين بجيبه ألفا دينار؟.. غرامة ماليّة كتلك حتماً يدفعها متسوّل محترف من طرف الجيبة ويرجع لمهنته أشدّ اصراراً!.
(الرأي)