المعارضة مازالت في الشارع تطرح ذات الشعارات من اصلاح وتغيير،ومنذ عامين،ترتفع الوتيرة احيانا وتنخفض في احيان اخرى،وفي الحالين فشلت المعارضة في تسييل مشروعها الى واقع شعبي عام منظم ومؤطر وفاعل.
الحراكات ذاتها في كل مكان جزء اصيل من البلد،ومن حق كل الحراكات ان تواصل نشاطها،ولايحق لاحد ان يمس شرعية الشعارات والدوافع،ولاتجريمها بغباء اوتذاكي،لكننا نتحدث هنا عن الشكل والاسلوب،فماذا بعد المظاهرات والمسيرات،وذات الشعارات،وماذا بعد التنافس المكتوم بين اجنحة المعارضة ذاتها؟!
العصب العام للبلد مرهق جدا اقتصاديا واجتماعيا،والحكومات كانت عنوانا للازمة،ولم تلعب دورا في تلبية طلبات الناس،ولا تجاوبت مع الحراكات،وكما يقال بالعامية «ركبت رأسها»،واشترت الوقت تاركة البلد لمواجهات خطيرة في اكثر من محطة.
هي ثنائية الدولة والمعارضة،وهي ثنائية مرهقة جدا،لان الاغلبية الصامتة تتفرج على المشهد،وتشعر بارهاق بالغ،جراء هذه المناطحة والمكاسرة بين الطرفين،فلا احد يتنازل،ولا احد يعيد تقييم المشهد،وكل طرف ُيحمّل الطرف الثاني المسؤولية وحيداً.
في جانب المعارضة عليها ان تتنبه الى انه تم توريطها في دور مرسوم ومطلوب،وفي قالب باهت،فلم تقدم اي جديد،واستهلكت نفسها،لدى الجمهور الذي نفر من هذه الطريقة،لانها لم تقدم اي نتائج،بل ساهمت في اصابة الجسد العام برعاش وطني مؤلم جدا.
هذا يفرض على المعارضة ان تأخذ نفساًً وتعيد التفكير في اسئلتها ووسائلها،فكل وسيلة لاتغير،تصبح بائدة،وفكرة ذات المسيرات والمظاهرات والشعارات التي لم تغير شيئا،باتت بحاجة الى اعادة تقييم.
هل يعقل ان تتواصل ذات الاساليب التي لم تغير شيئا،خصوصا،ان الدولة امام انتخابات نيابية والقرار الرقابي والتشريعي سينتقل الى البرلمان،فماذا ستفعل المعارضة اليوم امام هذا الاستحقاق؟!.
الدولة بالمقابل عليها ان تعيد انتاج اساليبها،من ادارة الظهر للحراكات،ومن عدم التوقف عند انين الناس،ومن الوسائل التقليدية التي تتعمد حرق المعارضة،اوالاعتقالات،والمؤكد هنا ان هناك اخطاء كثيرة للحكومات ادت الى التصعيد من جانب المعارضة.
لفك ثنائية المعارضة والدولة لابد من طرف ما يبدأ اولا بالخروج من هذه الثنائية،ولو جئنا الى المعارضة بكافة اطيافها فعليها ان تسأل نفسها:هل بات دورها تمثيليا او مكملا لمشهد الديموقراطية او حتى وظيفيا لتنفير الناس من فوضى الشارع؟!.
عامان من البقاء في الشارع لم يؤديا الى شيء،ولربما يصبح الوضع اسوأ بعد الانتخابات النيابية لان كل مشاريع التغييرسيتم ترحيلها الى البرلمان،وهناك سيقررون كل شيء،فيما من في الشارع لايمتلك سوى التعبير عن النفس بشعار او مسيرة. ذات الامر ينطبق على الدولة،بشكل اخر،الا ان العقدة اليوم تتمثل في ماتقوله الدولة حول انها لاتستطيع تغيير قانون الانتخابات والانتخابات ذاتها استحقاق لامفر منه،وان كل مشاريع التغيير على القوانين والدستور ستكون تحت القبة،وان ادوارا اخرى من محاربة الفساد والسياسات المالية وغير ذلك كلها ستصاغ تحت قبة البرلمان.
صورة معقدة،وثنائية قاتلة،غير ان الحسابات تقول ان على المعارضة ان تعيد مراجعة كل وسائلها وشعاراتها وطرقها،ولو من باب الجدوى السياسية وليس الاعتراف بالفشل،فيما على الدولة ايضا ان لاتستمتع بصورة المعارضة التي ضعفت بل واثارت نفور الناس،وعليها ان تمد يدها لهذه المعارضة،ليس من باب الاحتواء،بل من باب مساعدة المعارضة في الخروج من ازمة الحرد والبقاء في الشارع.
المعارضة لديها عقدة ،ولانعرف هل ستفك المعارضة عقدتها بنفسها،ام هي بحاجة للدولة لفك هذه العقدة،لان بقاء المعارضة في «انفرادي» عقدتها،سيؤدي بالضرورة الى بقاء الدولة ايضا في «سجن» عقدتها هي الاخرى!.
maher@addustour.com.jo
الدستور