كاندفاع الطفل إلى حضن أبيه تستقبلك النسمات والوجوه الأردنية، ويستقبلك السرو الشامخ فورَ الولوج من بوابة الجامعة الرئيسية لتعبرك حينها هالةٌ من الكبرياء والطمأنينة، فتلوذ أنت بحمأة حنانها وعطف أمومتها، تشدهك مكتبتها بمسك كتبها الفواح وإطلالات المبتسمين زهورا في واسع شوارعها،....نحن الداخلون فيها أبناءً وإن عقوا، تلاميذ وأساتذة ....ضيوفا وقد سدروا.

تخترقك وأنت القارئ في دفاتر ربيعها وإنجازاتها صفحات من تاريخها الزاهي روحٌ مضمخة؛ قادمة من صلد قبابها وعزيمة الأوفياء من كوادرها، تعبقك زهورها وعتباتها فتزرع فيك ثباتا وعزيمة للمضي مع السحاب المطل من على راسخ سروها المهتز بريح السفوح التي تحرسها، نشمية أنتِ يا أردنية، أخت كبرى لمثيلاتك الأخريات في جنوب وشمال وشرق الوطن، تصلينهُن رحما ما انقطع وعونا ما انسد، فأنت للأردنيين أمٌ كدت مع أبنائها ورسمت في قلوبهم خارطة الوطن فوالله لم تضن يوما، بل اتسع حضنك لهم جميعا في البرد والعجز في الموازنة، فقسمتِ وقتئذ لقمتك لتطعمي ثغر الأردن في العقبة وتهديه كبدا حرى. لا المدح فيك ولا التلويح لك يفي بما بذلت من حب وتصبر يوفّي رسالة القائد لأبنائه ووصية الأمهات للأبناء.

تزهرين اليوم وقد اغتسلت بعد هطولٍ راقصَ الأغصان فرحا بجديلتك الخمسين، وداعب شمائلك وحصون المعرفة التي ازدادت حصنا آخر اليوم هو مبنى خاص بتاريخ بلاد الشام، افتتحه ملك ظل يؤمل المستقبل بأفراخك وقد غدوا نسورا تحلق في سماء الوطن بما حمّلتِهم من وصايا وسلاح في وجه من يظن بك وبالوطن ظن السوء، فتعالي اليوم ننشد معا "أوبريت " الجامعة الجديد بكلمات حبيب زيودي الذي أسعفه الموت قول كلماته الصادقة فيك لتغنى مع طلة من صافحك اليوم مرتديا ثوب زفافك ملكا أمّ المحتفلين بك مكللا قبابك بزهور عيدك الخمسين.

مواكب القادمين من كل قابع اليوم تنشد لك "المنى عندنا ثوبها أخضر...." فتردين لهم الصدى " من ذرى مجدها ينهل العلماء....". فخورون بك يا سيدة الحاضرات ويا جميلة الجامعات، لنجدد الحب لك كل طالع يوم جديد، ونزيد ميثاق الانتماء لك سطرا آخر يتجلى فيه الوفاء قلادة تلبسينها مع كل كوكبة من الخريجين تغادرك كل موسم، فلم تكبري بعد بل ضاقت قلوبنا بحجم حبك فاحتجنا إلى قلوب خالية نملأها اليوم بمزيد تعلقنا بحبك النابض فينا صباح مساء. لم تستسلم عزائمنا بعد يا أمي؛ لأن سروك شامخ وزهرك يانع لا يزال بين أصابع من قطفوه. وعتباتك هي الأخرى لا تزال حافلة بقصص من عبروها، فيا لذكراك الحراقة في وجدان من احتضنتهم وودعوك غير مبتعدين، ويا لبخلنا في طاعة ما علمتنا من خلق أساتذتك الوعر وعلمهم الجم، فزيدينا يا أم الجامعات أملا منيرا نجابه به غياهب المستقبل وظلمته الحالكة.

عن العرب اليوم