العمالة العربية والبديل المفقود
حسن الشوبكي
11-12-2012 04:27 AM
حسنا فعلت الحكومتان الأردنية والمصرية عندما اتفقتا الشهر الماضي على ترتيبات ضخ الغاز المصري الى الأردن منتصف الشهر الحالي وبمعدل 60 مليون قدم مكعب يوميا ويضاف اليها 40 مليون قدم مكعب لتعويض النقص الحاصل عقب سلسلة تفجيرات طالت خطوط الغاز وامداداتها خلال الشهور الماضية.
نوايا حسنة في شكل ومضمون ما اتفقت عليه عمان والقاهرة، يقر بها المسؤولون ومثلهم الدبلوماسيون المصريون، ولا مجال بالنسبة للطرفين إلا الالتزام باتفاقية ضخ الغاز والسير قدما في التعاون التجاري والصناعي، فكلاهما يحتاج الآخر وفق معايير مصلحية واقتصادية تصلح لتأسيس علاقة قوية على الدوام بمنأى عن تقلبات الأحلاف الاقليمية وشكل الحكومات وألوانها السياسية على طرفي العلاقة. خلال الأسابيع الماضية شهد ملف العمالة الوافدة تطورات لا تصب في مصلحة هذه الثنائية المأمولة، وإن كانت التأكيدات الحكومية هنا في عمان تجد أن ما يجري ليس سوى تنظيم لسوق العمالة وأن لا رسائل سياسية لمصر أو الخارج، بل إن الأمر ينطوي على إعادة تصويب المخالفين لشروط العمل وغير الحاملين لتصاريح تسمح لهم بالعمل على الأراضي الاردنية.
في الأيام الماضية، تم تسفير نحو 2000 عامل مصري خالفوا الشروط، وهنالك 5 الاف عامل مصري يحتجزهم الأمن بغية التسفير او بانتظار تصويب الأوضاع، ولكن الظروف المرافقة لاعتقالهم لم تكن حسنة كما يذهب قانونيون ومحامون، إذ استخدمت الأغلال والقيود في الشوارع العامة وبشكل يشعر المرء أن الحملة مقصودة، وهو ما تنفيه الحكومة على لسان الناطق باسمها. صحيح أن نسبة العمال المخالفين تقارب ثلثي العدد المتواجد في الأردن من العمالة المصرية، فالعدد الإجمالي للعمال المصريين يقدر بنحو نصف مليون عامل وعدد المخالفين يفوق 320 ألف عامل، ومن ناحية اقتصادية بحتة فإن غرامات المخالفين هي مبالغ بالملايين، وتقدر الحكومة المبلغ المستهدف في حال صوب المخالفون أوضاعهم بأكثر من 10 ملايين دينار.
وقد يقول قائل إن الحكومة بأمسّ الحاجة إلى هكذا مبلغ وهذا صحيح، ولكن من غير المنطق أن نلتفت إلى الملايين العشرة ونترك خلفنا علاقات استراتيجية في بعدها الاقتصادي مع الشقيقة مصر.
وبعيدا عن دهاليز السياسة ومعايير وشروط العمل، يمكن القول إن هيكل العمالة والاقتصاد لدينا يعتمد بشكل كبير على العمالة المصرية، وهذا أمر واضح وجلي في عمان وباقي المحافظات، إذ انتشر العمال المصريون في كافة قطاعات الإنتاج وقدموا للاقتصاد عبرعقود خلت خدمات مهمة وعضوية، ومقابل ذلك حصل هؤلاء العمال على حقوقهم المالية التي سمحت لهم بالاستقرار وإيجاد فرصة عيش كريمة لعائلاتهم، سواء الموجودة في مصر أو تلك التي انتقلت إلى الأردن بسبب طول أمد الاقامة لكثير من المصريين العاملين في الأردن.
ولنا أن نتخيل إذا افقنا يوما على مدننا من دون عمالة مصرية، فسنصطدم حتما بمشهد أقرب إلى الشلل منه إلى الحياة، فهم المشغّل الحقيقي للمطاعم والمخابز ومحلات الدجاج واللحمة، وهم حراس العمارات وعمال المزارع، بل هم ذراع العمل الرئيسة في قطاع الانشاءات والتعمير. ونهضة البناء التي اتسعت في البلاد منذ وقت بعيد وحتى يومنا هذا قامت بشكل كبير على اكتاف هؤلاء، والمفارقة أن انتشار هذه العمالة في مناحي حياتنا لا يقابله ذات الاستعداد من قبل العمالة الأردنية ولا حتى بنسب قليلة. وعليه فإن تسفير المصريين أو اتخاذ إجراءات عاجلة في سياق تصويب أوضاعهم خطوة في الاتجاه الصحيح، ومن الضروري أن تتم، ولكن بمعزل عن الإساءة.
واذا كان ثمة رسائل للداخل بأن الحكومة تسعى إلى الاهتمام بالعمالة الأردنية عبر تفعيل شروط استخدام العمالة العربية وعلى رأسها المصرية والسورية، وقد اتسع حضورها في العامين الأخيرين، فإن المنطق يقتضي أن يكون لدى الدولة البدائل اللازمة لمنع حدوث شلل في واقع اقتصادي يعاني بالأساس من ركود طال أمده.
(الغد)