حرية موقوفي الحراك والحوار الوطني
لميس اندوني
11-12-2012 04:24 AM
نأمل أن يكون القرار الملكي بالإفراج عن موقوفي الحراك مؤشراً لانفراج أوسع وأهم، ومدخلاً لحوار وطني حقيقي حول أسس حل الأزمة السياسية في أصولها، الاقتصادية الاجتماعية في تبعاتها.
فالمظاهرات والمسيرات والاعتصامات، بما في ذلك من شعارات مسقوفة السقوف أو خارقة للسقوف، ما هي إلا تعبير عن رفض للمعاناة والتهميش السياسي والاجتماعي، فالمشاركة والتمثيل الحقيقي في مؤسسات الدولة، وأولها مجلس النواب، تؤسس لنظام المساءلة والمحاسبة، والتي من دونها لا يوجد أفق لعدالة سياسية أو اجتماعية، ولا لسيادة حقوق أو قانون.
مهما قيل ويقال عن الحراك الشعبي، من ملاحظات نقدية أو انتقادية، فقد شكل ويشكل مرحلة متقدمة من الوعي الجمعي بالحقوق السياسية والاقتصادية، وأي مدخل للتعامل مع الحراك، وشبابه وشاباته، ليس في المحاكم والسجون، بل في الاعتراف في بدء انهيار الصيغ القديمة، لأن الناس لن يقبلوا مصادرة حقوقها وإرادتها.
خلال العامين، للأسف كانت المحاولات كلها تصب في إعادة إنتاج الصيغ القديمة، بأساليب وأشكال جديدة، لا تغير من الوضع القائم إلا في تعميق الاحتقان وتوسيع وزيادة الغضب.
ووصلنا إلى حالة من انعدام ثقة خطيرة، في كل شيء رسمي أو يصدر عن جهة رسمية، فمعظم الفئات الشعبية، وحتى النخب، في حالة صدمة ما يتكشف عن حجم التفريط الذي ساد في العقدين الأخيرين، في حقوق المواطن ومقدرات الوطن، وكأن الوطن حكر على فئة محدودة جداً، وإن كان لدى فئات كثيرة الأمل باللحاق في ركب الثروة و العيش الرغيد، الذي تجسده مظاهر الرخاء في بعض مناطق عمان، فهذه الأحلام أفاقت على رعب التدهور الاقتصادي والمعيشي.
هل يمكن استعادة الثقة؟ وبماذا يجب استعادة الثقة؟ أنا لا أعتقد أنه من الممكن استعادة الثقة بل المطلوب بناء ثقة على أسس جديدة.
نظريا الحوار الوطني هو المدخل، لكن يجب الاعتراف، أنها أصبحت فكرة مثار تشكك، وإن لم يكن سخرية عند الكثيرين، لأن الخوف هو أن هدف ما قد يدعى حوار وطني، هو تسكين الوضع حتى يمكن تمرير مزيد من إجراءات رفع الأسعار وإثقال كواهل الفئات الشعبية، فهل سيكون هذا حقاً حواراً أم احتواء للنخب المعارضة؟
أقول هذا وأنا من دعاة الحوار الوطني، ويدي على قلبي، يعني لأنني لن أؤيد حواراً يكون القصد منه انتزاع تنازلات تقوض المطالب الشعبية الأساسية، بما يعني ذلك من ضرب مصداقية للمعارضة، والأهم إعطاء شرعية لسياسات وإجراءات لن تزيد الأزمة إلا عمقاً.
في الماضي، شهدنا نجاحات رسمية في استقطاب وتدجين شخصيات مُعارضة ، بعضها أقنع نفسه بأنه يستطيع التغيير من "الداخل" ، وبعضها انتقل من موقع إلى آخر، لاستسلامه "للواقع" وإرضاء لطموحات انتهازية.
نعم نجح القائمون على صنع القرار بمراحل مختلفة من إضعاف المعارضة، واجتذاب بعض رموز المعارضة إلى داخل صفوف الحكومات، وكان ذلك تكتيكاً ناجحاً نسبياً، ولكننا في مرحلة أخرى لا تحتمل مثل تلك المناورات، فالأزمة الاقتصادية غير مسبوقة بتداعياتها، والوعي الشعبي فاقد الثقة بالمناصب السياسية ومن يتبوأها، أي أن شخصية معارضة ذات صدقية، ممكن أن تفقد معظم رصيدها إذا تعاونت بشكل مؤسسي مع الجهات الرسمية إذ لم تكن هناك نية تغيير حقيقي.
وحتى لو كان هناك نية تغيير حقيقي، فأي شخصية معارضة، تجازف بصدقيتها بدخول صيغة توافقية حتى الحوار الوطني، ولذا يجب أن نعرف إلى أين المسير وما الهدف من أي حوار.
فما نجح في السابق ولو بشكل مؤقت، لن ينجح في الحاضر، خاصة وأن الطبقة الوسطى، التي تعطي فرصة عادة للصيغ التوافقية، مهددة بالتقهقر الاجتماعي والاقتصادي، و أن الغلاء المتنامي ينبئ باتساع دائرة الفقر والفقراء.
عدا عن أن آخر تجربة للحوار الوطني أفقدت الصيغة مصداقيتها بعد أن رُمِيت قرارات لجنة الحوار الوطنية، واختفت في درج ما، أي أن اللجنة استغلت في محاولات فاشلة لعزل الحراك الشعبي. أي أن حديثي عن الحوار الوطني، هو من باب التحدي، بمعنى هل هناك إرادة سياسية لتغيير حقيقي تقنع الجموع الفاقدة للثقة؟
l.andony@alarabalyawm.net
العرب اليوم