ما كانت الجامعة الأردنية، لتنفصل عن مشروعنا الوطني في أي زمن ولحظة من أزمنة الوطن، بل هي المستودع الذي قدم رجالات الوطن عبر خمسة عقود، ومن بوابتها خرجت الكفاءات والسير الكبيرة من الخريجين والعلماء الذين مروا بها، وتشاطرها أخواتها في ذلك الإنجاز، الذي يرسم اليوم الحضور الأردني بكل هذا الألق برغم التعب والتحديات التي تمثُل أمامنا.
وستبقى الجامعة وهي تستقبل عقدها السادس، وتطوي خمسين عاما من العمل والبحث والوعي، الخدّ النَّضِر للوطن ولعمان، وهي التي كانت وستظل حبيبة الكل، العشاق والأدباء والساسة وأهل العلم، ممن اعتادوا أمكنتها التي جرت في دمائهم حضورا مستمر التدفق والجريان.
أمس ذكّر الملك عبدالله الثاني، بزمان التأسيس الذي ولدت به الجامعة الأردنية، معبرا عن قدرة الأردنيين على بناء الأوطان وفي تجاوز التحديات، ومشيرا إلى أن الأردنية كانت حلما وتحديا في آن، وإذ مرّ الملك في حديثه على كلام الإصلاح والحرية والمشاركة السياسية، فإنه لم يترك المناسبة لتعبر دونما تذكير بحتمية الإصرار على الإصلاح والتغيير الذي بدأت ملامحه تكتمل في يوم الانتخابات المقبل، وفي مسيرة من الإصلاحات الكبيرة التي مرت بها الدولة خلال عامين مضيا.
أمس، خاطب الملك الأردنيين بأردنيتهم ووعي، وشمولية في المعاني، قاصدا تذكيرهم بأن الأردني إذا عاندته الحياة وسبلها، تحدى بالمستحيل مستحيلا. ولذا وجه أسئلته عن الوطن والوطنية معا، لكل الأردنيين، مبينا أن الأردني هو الذي ينحاز إلى تراب وطنه، وهو الذي لا يغامر ويكسب المال فقط، بل هو الذي يصطف مع الوطن لا عليه، وهو الذي يعاند التحديات من اجل الانجاز الوطني.
وفي حديثه الذي عرج به على أهمية المشاركة السياسية في الانتخابات المقبلة، لافتا الانتباه إلى ضرورة إيلاء الجامعة الأم العناية والدعم لتمكينها من أداء رسالتها، فإنه أشار بحدس ووعي إلى الشباب الذين هم عماد التغيير والتحول القادم، مطالبا بالقضاء على كل مظاهر العنف الجامعي، وربط نهايتها بأهمية اختيار النائب الأفضل والقائمة الوطنية الأمثل بالنسبة للناخب.
سطَّر الملك بخطابة فصلا جديدا في تاريخ الوطن وجامعته الأولى، التي كرمت أمس قادتها الأوائل الذي صنعوا منها عقل الدولة الأردنية كما عبر عن ذلك رئيس الجامعة الأردنية الدكتور اخليف الطراونه، والذي قدم مجموعة من الانجازات الوطنية التي أنجزتها أو تعد لها مستقبلا.
أمس، رأينا تكريما ومراكمة على الانجاز بشكل لافت في مؤسسة يجب حمايتها ودفعها للأمام بكل ما نستطيع، وهي تؤكد حقيقة واحدة وهي أن الدولة هي الأم والتحول عن الممتلكات الوطنية وبيعها وخصخصتها يجب أن ينظر له بحذر، أما أن يقال عن الجامعة في زمنها الاحتفالي بأنها لا تحترم الحرية الأكاديمية، فهذا قول العاجزين عن التجاوز لكل ما يحدث من أخطاء أو عثرات، إن وقعت، وهو تمترس فج خلف أسباب واهية للبحث عن الشعبيات والمعارف في أبواب السفارات.
الدستور