حكايات الآباء والأجداد تشخص حالنا ..
28-11-2007 02:00 AM
في طفولتنا كنا نجلس مطولاً للاستماع الى حكايات يرويها الأب والجد أحيانا، وكانت تلك "الحكاوي" تثير فضولنا لدرجة أننا لا نحس معها بالملل أو السماح للراوي بان يقطع الكلام..قصص مثيرة تتعلق بالقناعة والرضا عن الكثير والقليل، فالناس في عشرينيات وثلاثينات القرن الماضي، كانوا يعيشون ببساطة متناهية، يشكرون الله على نعمه، طعامهم بسيط من صنع أيديهم، ويكاد العديد منهم الاكتفاء بالخبز والشاي، في حين ان طعام القمح واللبن والعدس، أفضل مكونات موائدهم، وحين ينتهون من تناول ما يسره الله لهم يحمدونه على جزيل عطائه، وعظيم كرمه..
ولعل ما يشد الانتباه الى تلك الحكايات التي يسردها الجد " الذي غالباً ما يتقمص دور البطل" النخوة والحمية وحب الوطن، فكان التكافل الاجتماعي، والإيثار من أهم مكونات المجتمع الأردني في ذلك الحين ..
كما ان مصطلح "العونة" كان شائع الاستخدام في ذلك العصر، فكانوا يساعدون من يبني بيتاً أو يهم بحصاد زرعه، كما ان مبدأ الأمن كان راسخاً لديهم فلا يقبل احد ان يعتدي على آخر، وان تغول شخص على آخر، فثمة من يعيد الحق لصاحبه..
ولذلك كان الناس آمنين في معيشتهم، لا يعكر صفوهم أي شيء.. غير ان العصر الذي نعيشه تغير تغيراً كبيراً، وبات البعض أشبه بالوحوش، وان غالبية الذين يمتهنون التجارة، يفكرون بالربح، قبل تفكيرهم بحياة الناس، وان المدنية الحديثة حولت المجتمع من مجتمع منتج الى مجتمع مستهلك.
أنماط الاستهلاك تحتم على جمهور المستهلكين الإقبال على الشراء، بحاجة أو بدون حاجة، وان الصدمات التي نتلقاها، الصدمة تلو الأخرى فيما يتعلق بحالات التسمم الغذائي، بشاورما الدجاج، أو المياه أو اللحوم بشتى أنواعها، لا تمنعنا من إعادة تناولها من جديد، والسبب أننا سرعان ما ننسى، تلك المآسي والجرائم التي يرتكبها أفراد من المجتمع بحق مجتمعهم، دونما رادع قوي..
ان الكثير من المشتغلين بالغذاء، وخصوصاً الذين يستوردونه من الخارج، لا يهمهم إذا كان هذا الغذاء صالحاً أو غير صالح، المهم هو الربح، وحتى الربح لم يعد كما كان في السابق، بل ان هامشه أضحى كبيراً، يصل في أحيان الى أضعاف بالمئة..
بالأمس القريب شاهدنا وسمعنا العديد من حالات التسمم الغذائي بسبب "الشاورما" وبعد ذلك تسمم مياه" المنشية" ولم يقف مسلسل التسمم عند هذا الحد بل اتجه نحو حليب الأطفال، والأسماك، والمعلبات منتهية الصلاحية..
الجهات الرسمية تحرر مخالفات، نعم! تنذر مصانع وشركات، نعم! تصادر أطعمة فاسدة،نعم! هذه الإجراءات موجودة، ولكن كيف السبيل لوقف ذلك المسلسل الاشبه"بالمكسيكي، أو الهوليودي" الذي ليس له نهاية..
الآباء اليوم، ينظرون الى واقعنا بمرارة ويستذكرون تلك الأيام الخوالي، حين لا ترهبهم وجبة يتناولونها، لأنها كانت من صنع أيديهم المباركة، ومنهم من كان ينظر الى الأطعمة المستوردة باستهزاء، وكأن تناولها ان وجدت عيباً، وهم اليوم يحذرون من أطعمتنا الجديدة، ويعيبون علينا سكوتنا أمام شبح ارتفاع الأسعار، الذي يتصاعد يوماً بعد يوم بلا مبررات. ترى ما الذي ينتظرنا، ان اصبحت حياة المواطن لا تساوي، عند تاجر ما حاوية أغذية؟!
أملنا بحكومتنا، الرشيدة الجديدة، ان تعالج الجرم الذي يقع على المواطن بحجمه، وان تراقب التغول المباشر وغير المباشر من التجار، وان تجري مسحاً شاملاً لكل حالات التسمم التي حدثت، وتعيد النظر بشحنات الأغذية التي تهدد حياة أطفالنا، ان كانت غير مطابقة للمواصفة العالمية.. فالمواطن أغلى ما نملك، وصحته أهم غاية.