عمون - بعد 12 يوما بالتمام يفتح باب الترشح للانتخابات النيابية المزمع إقامتها في الثالث والعشرين من الشهر المقبل، وتستمر الدعاية الانتخابية إلى ما يقرب شهر، أي قبل يوم واحد من موعد الاقتراع.
الأصل أن يصمت المرشحون عن الدعاية الانتخابية، أو القيام بأية حملات دعائية قبل 24 ساعة من بدء التصويت، ولكننا في الأردن لا نلتفت كثيرا لتطبيق ذلك، وتبقى الدعاية الانتخابية مستمرة حتى أثناء عملية الاقتراع وتستمر إلى أن يتم غلق صناديق الاقتراع.
كما أن الدعاية الانتخابية تأخذ عندنا اشكالا متعددة، ولا حدّ أعلى للصرف المالي، بخلاف دول عدة تضع في قوانينها حدا أعلى للمصاريف الانتخابية، وتلزم المرشحين بالإعلان عن مصادر حملاتهم، والإبلاغ عنها، وعدم التوسع في الصرف أكثر مما تنص عليه القوانين.
حاول البعض أثناء مناقشة قانون الانتخاب الحالي الذي ستجري بموجبه الانتخابات النيابية المقبلة وضع حد أعلى للمصاريف الانتخابية، إلا أن تلك المحاولات لم يكتب لها النجاح، وماتت الفكرة في مهدها.
خلال السنوات المنصرمة ومنذ مجلس النواب الرابع عشر (ربما في مجالس سابقة ولكن بشكل أقل وبلا تأثير)، ظهر بوضوج وجود مشكلة أثّرت على صورة الانتخابات والمجلس النيابي، وهي استخدام المال غير الشرعي بكثافة في الحملات الانتخابية، وأغلب تلك الاستخدامات تذهب تجاه شراء ذمم وأصوات، ما أثر على صورة المجالس الماضية وأفقدها دورها الأساسي، وأبعدها عن الأساس الذي ينتخب من أجله مجلس النواب، فباتت مجالس النواب السابقة أقرب إلى مؤسسة اشترى المساهمون فيها سندات أسهم مقابل أموال دفعت سلفا، فابتعدت تلك المجالس عن هموم المواطن ومشاكله، وتشوهت إثر ذلك صورة مجالس النواب عند جمهور المواطنين، فضعف الدور الرقابي والتشريع، وهذا أضعف بالضرورة الحكومات التي عاصرت تلك المجالس، وأبعدتها عن المحاسبة النيابية، فتوسعت (الحكومات) في صلاحياتها بلا حسيب أو رقيب، وانتشرت قضايا فساد مختلفة، ما نزال نتحدث عنها حتى الآن.
البعض يطلق على تلك الأموال "مالا انتخابيا" أو "سياسيا"، ولكنه في حقيقة الأمر "مال أسود"، يشوه المشهد الانتخابي، وينتج مجلسا أعرج، بلا دور رقابي، أو تشريعي، ونوابا لا صلة بينهم وبين السياسة والإصلاح والديمقراطية، ومصالح الناس والعباد، سوى صلة المال الذي دفعوه ثمنا للمقعد الذي يجلسون عليه.
اليوم ونحن على أبواب انتخابات جديدة في الثالث والعشرين من الشهر المقبل، تعود طبول "المال الأسود" للقرع من جديد، ما يهدد نزاهة الانتخابات ويفقدها جديتها ونزاهتها وشفافيتها.
صحيح أننا لم نضع في قوانيننا حدا أعلى للصرف المالي في الحملات الانتخابية، ولكن قانون الانتخاب زاخر بمواد عقابية للحد من ظاهرة شراء الأصوات وبيعها وحجز البطاقات الانتخابية. والمطلوب في هذا الجانب تفعيل تلك المواد، والحزم في تنفيذها لكي نحافظ على نزاهة العملية الانتخابية، وإخراج مجلس نيابي بعيد عن شبهة التزوير أو المال الأسود او شراء الأصوات والذمم، وبالتالي نحفظ للمجلس المقبل جزءا من دوره في ظل المقاطعة التي عصفت به نتيجة ابتعاد قوى سياسية مؤثرة عن المشهد السياسي.
باعتقادي أن الهيئة المستقلة للانتخابات التي تعمل بجهد محمود، يقع عليها مسؤولية عدم الاكتفاء بوضع يافطات تحذيرية بشأن شراء الأصوات وحجز البطاقات، وإنما عليها الانتقال بمساعدة كل أجهزة الدولة الأخرى من مرحلة التنبيه إلى مرحلة الفعل المباشر، ومعاقبة كل من يثبت قيامه بحجز بطاقات انتخابية أو محاولته شراء أصوات، أو دفع مقابل ذلك مالا.
لا تستطيع الهيئة بمفردها فعل ذلك كله، ولذلك فإن أجهزة الدولة المختلفة يتوجب عليها المساعدة في هذا الجانب، وحفظ العملية الانتخابية من أية تشوهات قد تعصف بها، وعدم البقاء متفرجة على ما تفعله الهيئة، وما تقوم به، وكأن العرس عند الجيران.
إن بقيت المقاطعة، وتغلغل المال الأسود في المشهد الانتخابي، فإن المجلس المقبل (السابع عشر) سيكون موضع شك من قبل جمهور المواطنين، ولن يكون له حضور مؤثر في الشارع، وربما لن يصمت الشارع كثيرا قبل المطالبة برحيله. "الغد"
Jihad.mansi@alghad.jo