خطر لي قبل أيام عند نشر خبر وفاة الفنان الكوميدي المحبوب يونس شلبي أن أتكلم قليلا عن مسيرته.. لكن ذاكرة خميس بن جمعة أبت على قلمي إلا أن ينحو فيه منحى آخر مختلفا عما أبدع فيه بعض الأصدقاء ..وقبل أن أعود إلى المرحوم يونس شلبي أود أن أسألكم معشر القراء الأفاضل.. هل تتذكرون (برعي) ؟ .. أعني ذلك الساعي الذي أحضر (الكوكا كولا) لعادل إمام في مسرحية (شاهد ماشفش حاجة) ؟ إذا تذكرتموه تعالوا نتساءل معا عن البطل الحقيقي في ذلك المشهد الذي خلد في أذهاننا.. ثمة عناصر للمشهد يشكلها الأبطال كالتالي: عادل إمام (سرحان ).. وقد بقيا وخلد ذكرهما.. والكوكا كولا التي شربها على دفعات.. وكل دفعة تنزل في فمه كانت تحرق قلب الساعي برعي الذي لم يكن يدرك ثمنها ليشربها.. وتحدثه نفسه بأن ( الشاهد سرحان عبد البصير ) سيترك له ولو رشفة واحدة منها.. وقد خلدت هي أيضا (أعني زجاجة الكوكا كولا ) وأخيرا برعي.. الذي كان يسكن هو وأمه وزوجته وحماته وسبع عيال في غرفة واحدة.. ويقبض سبعة جنيهات في الشهر.. وهو الوحيد في المشهد الذي اختفى من شاشاتنا ولم نره بعدها ولم يخلد (أعني الممثل) لكن الشخصية ومواصفاتها وعدد أفراد أسرتها...الخ هي التي خلدت..وبقينا نردد :: ((أنت وأمك ومراتك وحماتك وسبع عيال؟ وبتاخذ سبعة جنيه في الشهر!!! اتكل على الله واشتغل رقاصة)) نرددها للأسف دون حزن عميق بل في ضحك وتهكم على عكس ما يفرض المنطق والذوق السليم ... فمن هو البطل الرئيس في ذلك المشهد؟ ومن هو الهامشي أو الكومبارس؟ هل هو (سرحان الشاهد الذي شرب الكوكا) أم فراش المحكمة الذي يمثلنا جميعا هو وأمه وامرأته وحماته والعيال السبعة؟ وأيهما كان الهامشي؟ الشاهد الذي خلّده عادل إمام.. أم الموظف الذي يمثل معظمنا والذي من سوء حظه أن الممثل الذي تقمصه كان هامشيا؟ وقبل أن تجيبوا تذكروا أن (الشاهد) يذهب إلى المحكمة مرة واحدة.. في حين أن الفرّاش يعمل فيها طوال عمره.
نعود إلى يونس شلبي..الذي لعل من أرسخ أدواره في ذهني.. (ليس ما فعله في شخصية عاطف السكري في العيال كبرت.. ولا (الواد منصور ابن الناظر اللي مابيجمعش) في مدرسة المشاغبين.. رغم أنهما أشهر دورين له.
بل إن أرسخ أدواره لديّ هو دوره في فيلم (شفيقة ومتولي).. رغم أنني لا أستطيع تذكر اسمه في الفيلم. والذي يعنيني من تلك الشخصية البسيطة الطيبة إلى حد العبط هو أمر واحد.. هو أن الشخصيات المتنفذة في القصة من طبقة الأمراء والقادة العسكريين .. الذين كانوا يرسلون شباب البلد (بالغصب والسخرة) للعمل في شق قناة السويس حتى الموت.. بينما هم يقضون الليل بين الغواني والكؤوس.. ويقبضون رسوم قناة السويس (على الجاهز) بل حتى ثمنها بعد بيعها.. هؤلاء قد احتاجوا في إحدى القضايا التي تورط فيها بعضهم إلى شخص ليشنقوه ليتم استكمال وغلق ملف القضية.. فوقع اختيار الضباط عشوائيا على ذلك العبيط المسكين (يونس شلبي) وكانت النتيجة أنهم شنقوه دون أن يدري لماذا وبدلا ممن؟ ومن كان أولى بالشنق منه؟ وماذا فعل...الخ من هذه الأسئلة التي خرجت روحه قبل أن يعرف أية إجابة عنها... لقد كان يونس في (شفيقة ومتولي) يبدو هامشيا أمام (سعاد حسني وأحمد زكي وجميل راتب وأحمد مظهر وغيرهم من النجوم) ..عاش حياة هامشية..ومات ميتة هامشية أيضا.. لكن ..
أليس هذا هو حال المواطن العربي عموما؟ إنه مواطن لا يعرف لماذا هو فقير أساسا وهو ينتمي إلى أغنى بقاع الأرض ثروة.. وأين تذهب الثروات .. والضرائب والجمارك والرسوم التي يدفعها بل يقضي العمر يختصر من خبز أطفاله لكي يدفعها..إنه الهامشي الذي لا يقف موقف البطل الرئيس من القصة أو الفيلم أو المسرحية.. لكنه هو البطل الرئيس الحقيقي الذي به تتشكل ملامح القصة على أرض الواقع.. ولا تستكمل حلقاتها بدونه.. فلا بد لكل قضية من ملف يغلق.. ولا بد من أن يموت هذا (اللا بطل الرئيس) كي يعيش آخرون ربما كانوا (دون أن نعلم) أنقى دما أو أنظف عنصرا أو أرقى خلقة ليبقوا هم ونزول نحن جميعا فداء لحساباتهم التي يجب أن تكون دائما مملوءة.. وكؤوسهم المترعة بشراب البقاء على ظهورنا نحن العبيد الذين ما خلقنا الله إلا من أجل سعادتهم.. ولذلك لسنا هامشيين في حياتهم.. ولسنا هامشيين في فيلم الحياة الكبير.. بل نحن أبطال هذه الحياة ومسرحها الكبير.. وهم الهامشيون الذين لا يستطيعون العيش دوننا
.........
وأمام حماستي الخطابية هذه لنا نحن (اللا أبطال الرئيسيين) غير الهامشيين .. يتساءل خميس بن جمعة ببلاهة شديدة: ما دمنا أبطالا ولسنا هامشيين كما تزعم.. فلماذا نموت جميعا في فيلم الحياة .. بينما تنمو أرصدة الهامشيين وتنتشر صورهم؟ ويزدادون شهرة وثراء؟ ولا أحد منهم يموت!! تماما ككل أبطال الكاوبوي الأمريكيين!! يبدو لي أنك مغفل..
http://atefamal.maktoobblog.com/