عبدالله بن الحسين ومنذ توليه زمام الحكم في المملكة الاردنية الهاشمية سعى دائما الى صناعة المستقبل الافضل لبلاده, وما زيارته التاريخية الى الضفة الغربية إلا خطوة جديدة في هذا المسار لادراكه مدى أهمية معالجة أي هم من الهموم الفلسطينية- الاردنية التي يتقاسمها الشعبان منذ العام 1948 , فهو أول زعيم عربي يكرس الاعتراف الاممي بالدولة الفلسطينية عمليا, وهي مبادرة ينظر اليها الشعب الفلسطيني بامتنان كبير.
ليست مبادرة الملك عبدالله الثاني تجاه فلسطين منفصلة عن مبادراته السابقة التي تصب في تعزيز استقرار الاردن ومنعه من دخول عين عاصفة الفوضى التي تضرب في الكثير من الدول العربية, فالعالم يشهد لهذا الملك على نظرته المستقبلية التي بها تجاوزت المملكة الكثير من الازمات السياسية والاقتصادية رغم الموارد الطبيعية المحدودة والضغط المتزايد على أوضاعها المعيشية جراء ذيول الازمة العالمية, وهو ما حاولت جماعات معروفة الاهداف استغلاله لتحقيق أهدافها في تقويض الدولة والانقلاب على الحكم كما فعلت في بعض الدول العربية, لكن الملك عبدالله الثاني وكعادته تحرك سريعا وأخمد الشرر الذي توهمت الظواهر الصوتية أنها قادرة على تحويله الى نار تأكل الاخضر واليابس, وتمهيد الطريق للسيطرة على هذه المملكة الحساسة جغرافيا وسياسيا وديموغرافيا.
طوال 14 عاما من وجوده على رأس المملكة أثبتت الاحداث ان هذا الملك قادر بفضل علاقاته مع مختلف المكونات الاردنية, وعلاقاته الخليجية والعربية والدولية, على قيادة السفينة الى بر الأمان وحمايتها من العواصف والانواء العاتية, وهذا ما تدركه غالبية الشعب الاردني.
كما تعلم هذه الغالبية أيضا أنه هو نفسه من استطاع العبور بالبلاد من حقول الالغام في الكثير من الاحداث, أكان مع العراق إبان السنوات الأخيرة من حكم صدام حسين, والحساسية التي فرضتها الجغرافيا على الاردن, حيث وازن الرجل الحديث العهد بالحكم بين تلك الضرورة وبين العلاقات المتميزة مع دول »مجلس التعاون« الخليجي, او حاليا عبر النأي ببلاده, فعلا لا قولا, عما يجري في سورية, فيما لم يبخل على النازحين بالايواء والرعاية والاهتمام رغم موقفه الحازم من نظام دمشق, فمن عبر ببلاده كل هذه المنعطفات بنجاح, يستطيع أيضا التصدي لمغامرات الاخوان المسلمين الذين حاولوا استغلال الازمة الاقتصادية لتحقيق أهدافهم, لكنهم فشلوا كما هي حالهم في الكثير من الدول العربية حيث أثبتوا أنهم مجرد ظواهر صوتية تغطي بالشعارات شهواتهم العمياء للاستفراد بالحكم والانتقام من شعوبهم التي لم تساير مخططاتهم.
نعم, الشعب الاردني مدرك تماماً كل ذلك, كما شعوب الدول العربية التي مرت فيها عاصفة ما سمي "الربيع العربي" بعد الفوضى والخراب اللذين تعانيهما حاليا, أكان في تونس الغارقة في الاضرابات والتظاهرات وارتفاع معدلات البطالة, او مصر التي أدخلها الاخوان المسلمون دهليز أزمة سياسية يصعب توقع نهايتها, او في ليبيا التي تتصارع فيها الميليشيات على المغانم, ناهيك عن اليمن وما يجري فيه. لهذا باتت الشعوب تدرك ان الشعارات الزائفة لا تصنع خبزا يسد رمق الجوعى, ولا الخُطب تسكّن ألم الموجوع, وأكثر من ذلك بات الشعب الأردني أكثر قناعة بأن ما خسرته دول الفوضى العربية في أشهر لن تسترده خلال أربعين أو خمسين عاما, ولهذا ترسخ يقينه أن لا بديل له عن مليكه وحكمه ودولة المؤسسات في تجاوز هذه المرحلة الصعبة.
أحمد الجارالله
المقالة عن السياسة الكويتية لرئيس تحريرها