الطريق الصعب الى "جنيف 2"
د. عامر السبايلة
08-12-2012 04:53 AM
عمون - انتهى لقاء دبلن يبين وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف و الوزيرة الأمريكية هيلاري كلينتون بحضور الأخضر الابراهيمي المبعوث الأممي لسوريا. لم يتم التوصل الى اي اتفاق بين روسيا و الولايات المتحدة, كما اكد الابراهيمي عقب الاجتماع. المبعوث الأممي أكد ان القطبين العالميين اتفقا على ان الوضع في سوريا سيء جداً، لهذا يجب مواصلة العمل من أجل السيطرة على الأزمة المتفاقمة. الوزير الروسي أكد أن الجانبين الروسي و الاميركي اتفقا مبدئيا على ضرورة لقاء يجمع الابراهيمي مع خبراء من الجانبين في الايام القادمة من اجل اجراء مناقشات واقعية و معمقة على اساس وثيقة جنيف و حقيقة الوضع الحالي في سورية و التي تهدف الى تبادل الاراء حول طريقة الوصول الى التسوية. الا أن موسكو مازلت تصر ان أي لقاء قادم يجب أن يتم اقراره من مجلس الأمن, و ذلك حتى لا يتكرر سيناريو الانقلاب على مخرجات جنيف.
المعركة على الجيش:
في موسكو التقت قيادات المعارضة الوطنية السورية بمسئولين روس رفيعي المستوى. الروس أكدوا تمسكهم بضرورة الحفاظ على قوة الجيش السوري و قدراته الدفاعية و القتالية. و يرى الروس ان الحفاظ على الجيش السوري هو حفاظ على الدولة السورية و ليس دفاعاً عن النظام. الرؤية الروسية تؤمن ان الجيش هو الضامن الوحيد للحفاظ على وجود الاقليات و تنوع المجتمع السوري. حيث تصر النظرة الروسية على التأكيد على المؤسسة العسكرية السورية مازال الممثل الوحيد لكل الطوائف و الاتجاهات في سوريا. لهذا تشير بعض الاجراءات الأخيرة أن مرجعية المؤسسة العسكرية السورية باتت روسية بامتياز, حيث لعبت روسيا دوراً استخباراتياً كبيراً من أجل احباط الهجوم الخير على دمشق و مطارها. بعض المعلومات تؤكد أن التغيرات غير المعلنة في بعض قطاعات الجيش السوري و خصوصاُ الحرس الجمهوري و الفرقة الرابعة تمت عبر المرجعيات الروسية.
روسيا تدرك تماماً أن الولايات المتحدة ليست معنية بالدخول باي حرب مباشرة في المنطقة. لهذا فالمطلوب من سوريا هو امر قد يتم الحصول عليها عبر اطالة امد الأزمة. المطلوب هو تركيع الدولة السورية و اضعاف الجيش و انهاكه, و تصديع الداخل السوري و تهيئة المناخ لاعادة صياغة النظام السوري. الولايات المتحدة مصممة على اضعاف الجيش السوري للدرجة التي يتم فيها اخضاعه لبرنامج التسوية السياسية ضمن الشروط الأمريكية. لهذا فهناك اصرار أمريكي على ان يكون ممثل المؤسسة العسكرية السورية هو من يوقع مشروع التسوية, فلا يمكن ضمن العقلية الأمريكية ان يبقى الجيش الذي حقق نصر تشرين خارج دائرة التسوية.
اسكندر في مواجهة الباتريوت:
من الرد الدبلوماسي الصلب انتقلت موسكو الى الرد على الأرض, الرد على موافقة دول حلف شمال الاطلسي الناتو على نشر منظومة الباتريوت على الحدود السورية – التركية جاء عبر تزويد دمشق بصواريخ "اسكندر E18" الاستراتيجية التي تشكل اكبر عامل ردع في مواجهة الباتريوت, حيث تعتبر صواريخ اسكندر قادرة على حمل رؤوس متفجرة و الوصول الى مدى 400 كم.
الخطوة الروسية جاءت أيضاً كرد على البروباغندا العالمية التي بدت تمهد لضرورة التدخل العسكري عبر اشاعة أخبار قرب استخدام الأسلحة الكيميائية من قبل النظام السوري. الخطوة الروسية تأتي -أيضاً- كرد على المعلومات التي تشير الى احتمالية تزويد المسلحين في سوريا بكميات محدودة من الأسلحة الكيميائية لاستخدامها في اماكن معينة و اتهام النظام السوري باستخدامها لاحقاً الأمر الذي سيقدم مسوغاً للمجتمع الدولي باستصدار قرارات تدخل عسكري.
المنطقة العازلة و خطر الفوضى في المنطقة
الخارجية الروسية حذرت من خطورة الاقدام على انشاء منطقة عازلة, حيث اعتبر المسؤولين الروس –بحسب اوساط المعارضة السورية- أن المنطقة ستشتعل في حال انتشرت الفوضى في سوريا, و ان الجهاديين سيضربون المنطقة برمتها, من سوريا الى الأردن, فتركيا و لبنان و قطر.
الخارجية الروسية لم تغفل عن توجيه تحذيرات مبطنة للدول المتورطة في تأزيم الموقف في سوريا. حيث اعتبرت المصادر الروسية أن ما تقوم به قطر و تركيا خطير جداً, و انهم سيدفعان ثمناً كبيراً للسياسة التي تنتهجانها.
جنيف 2
تسعى موسكو و حلفاءها جاهدة في هذه الأيام لبناء معارضة وطنية سورية ضمن مشروع ديمقراطي سوري يتخذ من مفهوم الدولة المدنية أساساً. زيارة اطياف من المعارضة السورية -الأخيرة- الى موسكو قوبلت بالدعم و الترحاب الروسي. في أغلب اللقاءات التشاورية في موسكو شدد الروس على ضرورة انتاج جسد معرض "ديمقراطي-مدني" من أجل مواجهة الخطر من سقوط الدولة السورية بأيدي الجماعات الأصولية. المفارقة ان بعض الرسائل القادمة من واشنطن, شاركت موسكو مخاوفها هذه. وزارة الخارجية الاميركية نددت بما وصفتها "المجموعات الجهادية" التي تقاتل في سوريا، خصوصا ما تسمى بجبهة النصرة، معتبرة أنها لا تمثل رغبة الشعب السوري. و أبدى ماركك تونر مساعد المتحدثة باسم الخارجية الاميركية قلق واشنطن من وجود هذه المجموعات المتطرفة في سوريا مشيرا الى أن تلك المجموعات تحاول استغلال الوضع وتشكل قسما صغيرا من المعارضة.
لهذا انتقدت الخارجية الروسية المعارضة التي تم انتاجها مؤخراً حيث اعتبرتها معارضة ذات لون سياسي واحد مع بعض التعيينات الديكورية للمثلين عن الاقليات, في خطوة شكلية يرى فيها الروس عجز هذه المعارضة على انتاج تشكيلة تعددية حقيقية. المصادر الروسية اعتبرت ان الدعم القطري-الفرنسي للتيارات الاسلامية و الجهادية لعب دوراً كبيراً في عزوف كثير من ممثلي الأقليات عن المشاركة السياسية, عداك عن عدم حصول هذه الاقليات على ضمانات مستقبلية لوجودهم على الخارطة السياسية و المجتمعية للدولة السورية.
المعارضة الوطنية السورية كانت قد زارت طهران ايضاً في اطار جهودها الرامية لرسم خارطة الانتقال السلمي. الايرانيون بدروهم أبدوا دعمهم للمشروع الديمقراطي السوري, و شددوا ان اللقاء القادم لابد أن يجمع اطراف المعارضة الوطنية بممثلين عن الحكومة السورية في لقاء يهدف الى الانطلاق العملي للمرحلة الانتقال السياسي. نائب وزیر الخارجیة الايراني للشؤون العربیة والافریقیة حسن امیر عبداللهیان صرح في لقاءه مع المعارض السوري هيثم مناع: "ان ایران لا ترید ان تتخذ القرار بشان مصیر الشعب السوري بدلا من الشعب السوري نفسه، بل تسعی الی توفیر الظروف عن طریق التشاور مع كافة الاطراف الحكومیة والتنظیمات غیر الحكومیة والاطراف الوطنیة السوریة لیتمكن الشعب السوري من تقریر مصیره بنفسه في ظل وقف اعمال العنف وعبر اجراء انتخابات حرة ونزیهة".
اذاً الحراك الدبلوماسي الروسي-الايراني يهدف الى انتاج جسم معارض جديد يحفظ التنوع في المجتمع السوري و يرسم حالة ديمقراطية مدنية قادرة على مواجهة الخيار (القطري, التركي, الفرنسي) الأقرب في صورة تمثيله الى لون واحدة يهدد وحدة الدولة السورية مستقبلاً. لهذا تؤكد موسكو اليوم أن قبل الشروع في التخطيط لمؤتمر "جنيف 2" يجب على الجميع أن يميزوا بين اللقاء من اجل الحوار فقط و الاجتماع من أجل التفاوض للخروج بحلول قابلة للتطبيق. قبل هذا تصر موسكو اليوم على ضرورة ان يدرك الجميع الفرق بين تغيير النظام و الحفاظ على الدولة السورية.