ردا على "إضحك مع الحكومة"
صالح الحديدي
17-02-2007 02:00 AM
الربابة و.. الكتابة المفترض أنها ساخرة الكتابة الساخرة، هي من حيث المبدأ؛ كتابة فنيّة.. أي، إنها تحتاج الى مهارة وحرفة، تماما بمقدار حاجة مَن يخوض فيها الى الموهبة، وتحديدا الى "خفة الدم" والمقدرة على السخرية، و تقديم النقد الناعم!
وإذا كان الإقدام على الكتابة للصحف ووسائل الإعلام المتنوّعة‘ اصبح مطروقا، وسهلا، ولا يتطلب الكثير من المهارات؛ فإن الكتابة الساخرة، لايمكن أن تكون بهذه السهولة، ولا يستطيع حتى الكتاب المتمرّسون، أن يمارسوها، إلا إذا توفرت لديهم الموهبة، والقدرة على التقاط المفارقة الساخرة، بلغة طريفة، تبعث على الابتسامة، سواء أكانت ابتسامة أمل أم ألم!
المشكلة، ان كثيرين توهموا في أنفسهم، سابقا، القدرة على الكتابة الصحافية، ولعبوا الدور على أصوله، دون أن تسعفهم الحرفة ولا أدواتها؛ استمرأوا الدور، الآن، الى أبعد مدى، وبدأوا يخوضون تجربة الكتابة الساخرة، ودون أن يمتلكوا الموهبة المطلوبة، ولو بالحدّ الأدنى..
ومن الشواهد على ذلك، محاولة البعض، إقامة المفارقة، وتوظيفها سياسيا، بين الربابة، كفلكلور وطني فني، له مكانته و معانيه، وبين آلات موسيقيّة أخرى، أكثر حداثة.. وبغض النظر عن التوظيف على بشاعته، وبؤسه، فإن السخرية من التراث وإهانته، لا يمكن أن تكون ضربا من الكتابة الساخرة. وبحدود علمي، لا توجد أمّة على وجه البسيطة، تهزأ من تراثها و تجعل منه مذمّة؛ ذلك أن التراث جزء من مكوّنات الشخصيّة القوميّة، سواء أكان سياسيّا أم اجتماعيّا أم أدبيّا، أم فنيّا. وهناك أمم كثيرة، مازال كتابها المحترمون، يتعاملون بكل إجلال واحترام مع الأساطير الشعبيّة، مما أثبت العلم أنها لا تعدو كونها خرافات. وإذا تناول الكاتب أو الأديب واحدة من هذه الأساطير، فإنه، واحتراما لنفسه وأمّته، يضعها في سياق لائق، ولا يستخف دمّه، ويعمد الى تشويهها وتحويلها الى مسخرة، ومادّة للتندّر.
نعم، الربابة آلة موسيقية بسيطة ومغرقة في بدائيتها، وهي كذلك: بوتر واحد، وقد تفوح منها رائحة جلد الماعز. ولكنها في المقابل ذات مكانة لائقة في تراثنا الوطني، ولعبت، بشكل أو بآخر دور وسيلة الاتصال. وكانت رفيقة المجالس، وعلى أنغام وترها عُزفت القصائد الخالدة وانتشرت الأشعار وذاعت. وفي حالات عديدة، تجاوزت هذه الآلة البسيطة نفسها لما أتيح لها عازفون محترفون، نستطيع أن نطلق عليهم، وبكل ثقة، صفة "فنانين"؛ من مثل عبده موسى، الذي أطرب الأردنيين، أكثر من زرياب، لأنه عزف على وتر نخوتهم، وفاحت من ربابته رائحة بيادرهم ومراعيهم.
مقارنة الربابة بالقانون، وإن في معرض السخرية، لا تليق، لأنها مقارنة جائرة، وليست طريفة بأي حال من الأحوال. وهي تماما مثل أي مقارنة قد يجريها "خفيف دمّ"، لاحقا، بين القهوة العربيّة، بكل دلالاتها الثقافيّة والاجتماعيّة، وبكلّ وقارها وهيلها وعادات ارتشافها، مع "الكابتشينو"، لتكون النتيجة ذاتها؛ سخرية من التراث ومن الذات ومن كل ماهو جميل، بحجّة أنه قديم أو بدائي!
الربابة آلة فلكلوريّة محترمة، ونبيلة، رافقت الأردنيين، لياليهم الطويلة، وكانت لهم الأنيس والسمير. وهي اليوم جزء من التراث والماضي. وعلى كلّ الأحوال، فإن هذه الآلة البسيطة المحترمة، كانت تتطلب مهارات ما في العزف، ليت أن بعض المقبلين على الكتابة الساخرة يمتلكون مثلها أو حتى بعضها، عندما يمسكون القلم.. فيكتبوا للناس ما يعبّر عن آمالهم وهمومهم، ويحاكي بساطتهم ونمط حياتهم.