كان المشهد في نيويورك مهيّأ لطقس آخر, طقس فيه أسس دولة توضع.. أول حرف من حروف التكامل الوجودي لشعب ذاق شتى فنون الاضطهاد اللامعقول..
منذ قليل كانت (فلسطين) حكاية من حكايات الأساطير الخرافية.. كانت
(في الخيال) محطة قصيرة لسرب الطيور العائدة من هجرة البحر, وكان البحر يدل على أول البحر.. كانت (خيال الرومانسي المترنح في عواصم الغربة البعيدة)..
أما الآن فقد استعادت (فلسطين) بهاء الأبجدية الأولى, وكونت المفهوم التالي:
(من خيبة طالت وخيام كثرت, تحدث المعجزة أخيراً).. بعدما كانت تنشد صعوبة الفرح، بعدما أدمنت ما يدميها من أحزان الرحيل والتهجير والاضطهاد والتبعثر..
هم الفلسطينيون.. أصبحوا أكثر قدرة على الفرح، أصبحوا قادرين على تركيب الوطن (حجراً على حجر)، من حجر لا من كلام كأنهم يدخلون في النشيد الحقيقي، فيخرجوا منه واضحين اكثر فـ اكثر..
من الآن.. هم على طريق واضح وحاد، (اليوم لا غداً) بعدما صار الوقت في أيديهم (ملك أيديهم), وعما قليل تمشي انية العمر إلى بيتها الأول: (دولة تسمى فلسطين)..
ربما يرى البعض من انضمام فلسطين إلى الأمم المتحدة كـ(دولة مراقب غير عضو), شيئاً لا قيمة له مع بقاء الاحتلال الإسرائيلي جاثماً على الصدور, وربما تسويف في إحقاق الحق, وتقصير في انصاف الضحية..
لست بصدد تحليل مسألة قانونية سيادية ولا حتى الدفاع عن (نهج ما).. ما يعنينا هنا (الفكرة).. فكرة (أن فلسطين أصبحت تمثل منظومة دولة).. دولة مراقب أفضل من (لا شيء مراقب).. لأن الفلسطينيين بقوا منذ سبعينيات القرن الماضي يحملون صفة (منظمة مراقب) في الأمم المتحدة, (منظمة) لا التزام دولياً تجاهها بالمطلق, ولا اكثرات لمعاناة من تمثلهم تلك المنظمة..
لقد رمى الفلسطينيون الزمن بمفردة واحدة, مفادها: (دولة)..
دولة شاءت إرادة خارقة ان تفرضها على العالم بطريقة مباغتة للقدر.. (القدر) الذي اعتاد الشعب الذي يقبع تحت (ذل الاحتلال) منذ عقود ان يروه يعمل بشروطه الخاصة الساخرة, القدر الذي اغمض عينيه عن معاناة كبرت وقهر يوجع النفس..
ولان, ليس من حق البطل أن يشهد ختام النشيد.. كان لا بد ان يكون الامر بغياب رمز المنفى والاشتياق اللامنتهي (ياسر عرفات)..
هم قرروا مواجهة الاحتلال بفرض امر الواقع, هم ارادوا استعمال نهج الاحتلال.. (امر الواقع).. هم عاشوا الادراك بداخلهم .. الوطن بداخلهم هو أوسع من مؤسسة وأكثر من سلطة وطنية..
تبقى فكرة الحديث..
أنتم من تصنعون التاريخ وترسخون
(فلسطين) على خريطة دول العالم..
عن الرأي