قراءة في المبادرة الوطنية للبناء والإصلاح( وثيقة زمزم)
د. امل نصير
04-12-2012 03:20 PM
تُعدّ المبادرة التي أعلن عنها رئيس المكتب السياسي في حزب جبهة العمل الاسلامي د. رحيل الغرايبة، للنهوض بمشروع الإصلاح الوطني الشامل، من المبادرات التي تستحق الدراسة إذ قد تساعد على الخروج من الأزمة السياسية التي تعاني منها المملكة منذ شهور.
فمنذ تشكيل لجنة الحوار الوطني التي ذهب جلّ جهودها أدراج الرياح لا سيما فيما يتعلق بقانون الانتخاب لم تبرز أي مبادرة وطنية جادة وجامعة من جانب الحكومة لإخراج البلاد من أزمتها السياسية كتشكيل لجنة على غرار لجنة الميثاق الوطني –مثلا- تجمع الأردنيين على طاولة الحوار الذي يخرجهم مما هم فيه من احتقان وقلق، واكتفت في غالب الأحيان بمحاولات احتواء الحراك أو اختراقه علنا أو خفاء، واعتماد أساليب عفا عليها الزمن، وأصبحت مكشوفة للصغار قبل الكبار، وقد جربتها أنظمة عربية كثيرة من قبل، وباءت بالفشل، بل ربما زادت من المشكلة وعقدتها.
من هنا، ربما تكون هذه المبادرة اكتسبت أهمية خاصة للتباحث حول هذه المرحلة الصعبة، وبعدما كل ما شهدته المملكة من أحداث مؤسفة إثر رفع الدعم عن أسعار المحروقات، لاسيما أن الناس كانوا يتطلعون لأي جهد يبذل في هذا المجال، ولأنها هذه المبادرة أيضا صدرت عن رئيس المكتب السياسي للحزب الذي يحمل لواء المعارضة، والمتهم بمحاولة زعزعة أمن الوطن.
المبادرة ليست حركة انشقاقية عن الحزب بحسب تأكيد عدد من قيادي المبادرة إلا أنها قد تبدو كذلك بحسب المعطيات الآتية واستنادا لتصريحات الطرفين:
أولا- انتقاد بعض مؤسسي المبادرة حزب جبهة العمل الإسلامي بإهمال الشأن الداخلي الأردني لحساب قضايا عربية وإسلامية أخرى.
ثانيا- نية القائمين عليها تأسيس حزب جديد.
ثالثا- تزامن الإعلان عنها مع استقالة د. إرحيل من رئاسة اللجنة السياسة في حزب جبهة العمل الإسلامي.
رابعا- تضم تحت مظلتها سياسيين من كل ألوان الطيف الأردني بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية أو توجهاتهم الفكرية.
خامسا- إن الحزب لم يُستشر بها، ولم يطلع عليها، وكان يتوقع أن تُقدّم أولا لمؤسسة الجماعة – بحسب عربيات- لاسيما أنها صدرت عن قيادي في الإخوان.
سادسا- التعميم الذي صدر عن الحزب ووزع على أعضائه بعدم التعاطي مع المبادرة.
ولعل أهم ما تهدف إليه هذه المبادرة بحسب البيان الذي صدر عنها ما يأتي:
أولا- تحقيق الإصلاح الشامل، بطرق حضارية سلمية وعلنية، بعيداً عن العنف، والتطرف والتعصب الديني أو الإقليمي.
ثانيا- التركيز على الجانب الاقتصادي باعتبار أن الأزمة الأردنية أزمة اقتصادية سياسية؛ من هنا ترى ضرورة التعاون والمشاركة مع أهل الخبرة في بناء الاقتصاد الوطني المنتج، وتصحيح مَواطن الخلل فيه، ومحاربة الفساد، واستعادة أملاك الدولة، وإيجاد قانون ضريبي عادل ينصف الطبقة الفقيرة والمتوسطة، وهذا ينسجم تماما مع كثير من مطالب الحراك الوطني الإصلاحي.
ثالثا- النهوض بمشروع الإصلاح الوطني الشامل الذي يهدف إلى الاسهام بإعادة بناء الدولة الأردنية الحديثة، القوية والمزدهرة التي تستمد مرجعيتها القيميّة من الإسلام .
رابعا- التركيز على الشأن الداخلي الوطني برؤية اجتماعية شاملة، بل لعلها جاءت للتركيز على هذه الغاية التي أهملتها الجماعة حسب تصريحات عدد من مؤسسي المبادرة.
خامسا- إنشاء تيار إسلامي معتدل غير مرتبط بأية جهة داخلية أو خارجية.
سادسا- إلغاء المقاطعة التي تبنتها الجماعة من حيث اشتراكها بالحكومات والانتخابات، وتبني التدرج في التحوّل نحو الديمقراطية.
إن حالة انسداد الأفق السياسي التي يعيشها الأردنيون منذ شهور تستلزم مبادرة سياسية واقتصادية تخفف من احتقان الشارع، وتعطي أملا للشعب برؤية نهاية للنفق المليء بالإحباط والاحتقان الذي دخلوا فيه قصرا نتيجة لكثرة ما سمعوا من أخبار الفساد، وبيع مقدرات الوطن، وتفاقم الفقر والبطالة لاسيما بين الشباب، وما نجم عن ذلك كله من كثرة المظاهرات والاعتصامات التي ساهمت بتوقف عجلة الاستثمار، وتراجع الاقتصاد، والعيش في ظل خوف دائم على الوطن والمنجزات.
إننا أحوج ما نكون اليوم إلى مبادرة تجمع الناس ولا تفرقهم، وتنزع فتيل الأزمة ولا تؤججها، وتخفف الاحتقان ولا تزيده، فمطالب الناس واضحة لا لبس فيها رغم ارتفاع سقف الشعارات، ومن أهمها استرجاع المال العام ومحاربة الفساد، وهذا إن توافرت الإرادة السياسة، ممكن؛ لأن المال كل المال يهون في سبيل الوطن، وفي سبيل الحفاظ على الاستقرار وإعادة هيبة الدولة، واسترجاعه سيعيد المنعة والقوة للوطن بدلا من الرضوخ للبنك الدولي، وشروط المساعدات العربية، وسيساهم أيضا إذا أحسنا إنفاقة في التخفيف من مشاكل الشباب، وتوجيههم نحو العمل النافع لهم ولوطنهم بدلا من استمرار إنشغالهم بالمظاهرات.
يمكن للحكومة أن تلتقط هذه المبادرة وتعززها، أو الإفادة من أفكارها، وتسعى لإنجاحها لصالح الاستقرار في البلد أو أنها تبقى في حالة جمودها السياسي، وتعمل فقط على استفزاز الشارع بمزيد من القرارات التي تزيد من معاناته.
يؤمل من هذه المبادرة ان يكون لها من اسمها نصيب، فماء زمزم رمز للحياة الجامعة للناس في موسم الحج، فلعلها هي الأخرى تسلك طريقا واضحا لا التواء فيه، يهب الحياة الكريمة للأردنيين، فتجمعهم جميعا على محبة الوطن، والتضحية من أجله، لا المماطلة والتسويف في وعود الإصلاح، أو بث التفرقة بين الناس، أو العزف على أوتار الإقليمية، وإقصاء الآخر أو شيطنته، أو بث الإشاعات وتخويف الناس، وسجن الشباب المطالب بالإصلاح، وترك الفاسدين فرحين بما اقترفوه من سرقة، وتدمير للاقتصاد الوطني، فلا يجوز لمن يعيش في القرن الواحد والعشرين أن يبقى يضع قبعة ونظارة القرن العشرين!!!
amalnusair@hotmil.com