البخيت يتحدث عن "تعقيدات" الحكومات البرلمانية
04-12-2012 03:12 PM
عمون - البحر الميت - وائل الجرايشة - أكد رئيس الوزراء الأسبق معروف البخيت أنه لا يوجد ما يمنع نصاً من تأليف الحكومات البرلمانية في موازاة "أنه لا يوجد نص يمنح الأمر".
وقال البخيت ظهر الثلاثاء في ورشة عمل نظمتها وزارة التنمية السياسية في البحر الميت حول "الحكومات البرلمانية": لو فاز حزب او حزبان بغالبية مقاعد البرلمان يستطيعان تشكيل الحكومة ويختصران الزمان، لكنه استدرك قائلا "وبواقعية شديدة" أنه لا يتاح لحزب ان يشكل حكومة برلمانية بأغلبية وربما يكون هنالك تكتل ويفرض جملة من التحديات والتعقيدات.
وردّ البخيت ذلك إلى عدم تجذر تجربة الاحزاب والتجربة البرلمانية حيث ان غالبية الكتل تتجمع بعد انتخاب البرلمان دون معرفة سابقة لبعضهم، وهذا ما نسميه "كتل هلامية" لا يجمعها برنامج محدد وتزول العلاقة مع انتهاء المصالح فكيف تكون مع التنافس على مقاعد وزارية.
واشار الى أن ما يجري حالياً تحفيز للأحزاب، وقال إن الاحزاب التي ترشحت للانتخابات لن تحصل على النصف + 1 - بحسب رأيه -.
ومن فوائد ما يجري حالياً، رأى البخيت، تحسين قضية القوائم حيث ان هنالك من يرفض التضحية حاليا ويترشح على الرقم 27 من اجل انجاح زميلك وانجاح الفكرة.
ونوه بأنه في المستقبل ربما ترشح الكتل النيابية من لم ينجح من زملائهم ابان الانتخابات، وقد يسمى وزيرا هنا او عينا هناك.
في ضوء الوضع الراهن والعمل الحزبي لفت البخيت إلى ان النقاش العام يربط بين الحكومة البرلمانية وتوزير النواب وهذا يستدعي الاستئناس بتاريخ الاردن.
وتحدث عن الانتخابات في قانون الامارة التي كانت تضم مندوبين من البلدات والقرى ومن ثم النواب وكان مكونا من 16 نائباً، وضمت 3 من اصل 6 من أعضاء المجلس التنفيذي وهذا لم ينفع الحكومة من اسقاطها بسبب ملحق موازنة.
ولفت الى ان السلطة التنفيذية جزء من البرلمان حيث يقول القانون الاساسي إن اعضاء البرلمان 16 يضاف اليهم السلطة التنفيذية واستمر العمل على اشراك النواب بالحكومة، مشيراً إلى أن الامر استمر الى مدة من الزمن.
وعن حكومة سليمان النابلسي قال البخيت ان الحزب الوطني الاشتراكي حصل على 9 مقاعد و4 للاخوان المسلمين ومقعدين للبعث وواحد للقوميين ومثله للتحريري، وشكل منها حكومة ائتلافية.
ولفت الى ان النابلسي شكل حكومة حزبية برامجية وهذه التجربة "لها ما لها وعليها ما عليها"، وقال ان الحكومة دامت نحو 6 شهور وكان لافتا الحوادث المهمة التي مرت في عهد الحكومة حيث حصلت حرب السويس بعد يوم من تشكيلها ومن ثم المعاهدة الاردنية البريطانية وخروج الانجليز من العقبة .
ونتيجة لحرب 67 توقف العمل البرلماني ، وتم استعادة المجلس في العام 84 حتى استعيدت الحياة الديمقراطية عام 89 ، وقال ان الحكومات تم اشراك النواب فيها واخرها كان اشراك 23 نائبا في حكومة عبد الكريم الكباريتي من اصل 31 وزيرا.
أي حكومة تنال الثقة البرلمانية حتى لو كانت مؤلفة من غير النواب فان هذا لا يمكن اعتباره أنها حكومة غير برلمانية ولا تتوافق والاسس الديمقراطية بل برلمانية حينما تنال الثقة منه ويمكن سحب الثقة في اي لحظة منها.
وقال ان عنصر التوازن بين الحكومة والنواب يكون على أسس التعاون والرقابة المتبادلة والذي يتجلى في التنسيب بحل البرلمان وحق النواب بمساءلة البرلمان وطرح الثقة وسحبها.
وأضاف: يحتم المبدأ الديمقراطي قيام حكومة برلمانية تتضح فيه الضرورة الى توزيع السلطات والفصل بينها، وذلك من خلال توزيع الوظائف على هيئات منفصلة ومتساوية بحيث لا تتركز السلطة في يد واحدة بحيث لا يساء الاستخدام وهذا لا يعني الفصل العضوي بين السلطات حيث يوجد الفصل المرن بين السلطات.
وقال ان الاساس الدستوري الذي ينطلق منه الدستور الاردني ان الامة مصدر السلطات والحكم نيابي ملكي وراثي.
وقال ان الاردن انجز تعديلات دستورية مهمة وبعض القوانين الناظمة للعملية السياسية والتغييرات جاءت لتوافر البيئة الانسب لتحقيق النقلة المطلوبة لبناء الاردن الجديد، مشدداً على أن الاردنيين ينتظرون النتائج على ارض الواقع.
وحول قانون الانتخاب الجديد قال انه اصبح نافذاً وقد حسم الملك الجدل والتكهنات حول موعد اجرائها وبسسط خارطة الطريق، وقال "كل ذلك مع الحديث عن حكومة برلمانية".
تاليا نص كلمة رئيس الوزراء الاسبق معروف البخيث
بسم الله الرحمن الرحيم
حكومة برلمانيّة في الأردن؛
إشكاليّة المفهوم وإمكانيّة التطبيق
الدكتور معروف البخيت
أنجز الأردن، خلال العام الفائت، جملة من التغييرات والتعديلات التشريعيّة، شملت، وعلى نحو موسّع، الدستور نفسه، وعدداً من القوانين الناظمة للعمليّة السياسيّة. وجاءت هذه التغييرات، لتوفر البيئة الآمنة والأنسب، في هذه المرحلة، وضمن اعتبارات الخصوصيّة الأردنيّة ومتطلباتها، لتحقيق النقلة الضروريّة لبناء الأردن الجديد.
على هذه الأرضيّة الثابتة، وما تحقّق من تعديلات دستوريّة وقوانين مرتبطة بها؛ ينتظر الأردنيّون الإجراءات العمليّة، والتي تترجم، واقعاً ملموساً، أثرَ ما تحقّق وانعكاسه على الحياة السياسيّة من خلال برلمان منتخب، بضمانات نزاهة مؤسّسيّة، وبقانون جديد، يتضمّن إضافات مهمّة، تفتح المجال أمام البرامج والتكتلات، على المستوى الوطني. وبرغم كلّ الملاحظات وتفاوت الآراء بشأن قانون الانتخاب الجديد، ومدى تلبيته للطموحات العامّة، وانسجامه مع الإطار التوافقي؛ فإن القانون أصبح الآن نافداً، ومستكملاً لحلقاته الدستوريّة، وستجري بموجبه الانتخابات المقبلة، ما يستوجب النظر إلى الجانب الإيجابي والسعي نحو البناء عليه، وعدم التراجع عنه.
لقد حسم جلالة الملك عبدالله الثاني، الجدل والتكهّنات، حول مسيرة الإصلاح السياسي، المقبلة، ومحطاتها.
وبسط، بوضوح، خارطة الطريق لحزمة الإجراءات والأطر الزمنيّة، لاستكمال هذه المسيرة؛ مؤكداً، مرّة أخرى، أن مطلع العام القادم، سيشهد وجود مجلس نواب جديد؛ ومن ثمّ حكومة برلمانيّة، لاستكمال برنامج الإصلاح الشامل.
ومع هذا التأكيد الملكي، والإصرار على الانتقال بالأردن، إلى مرحلة جديدة، من التفاعل الديموقراطي المدني والتعدّديّة، وتوسيع قاعدة المشاركة؛ فقد أخذ النقاش العام منحىً جديداً، تسلطت معه الأضواء على مفهوم وطبيعة وشكل الحكومة النيابيّة، وإمكانيّة تشكيلها، في ضوء الواقع الراهن للعمل الحزبي وإمكاناته، وفي ظل اعتبارات أخرى لا تقلّ وجاهة.
على أن اللافت في النقاش والمساهمات والكتابات الأخيرة، هو الربط بين مفهوم الحكومة البرلمانيّة، وبين توزير النواب، وتشكيل حكومة من أعضاء مجلس النوّاب. وهو ما يستدعي وقفة، تستأنس بالتاريخ السياسي الأردني الحديث، وبالتجارب العالميّة، في ظل مبدأ الفصل بين السلطات، وآخذين بعين الاعتبار خصوصيّة الحالة الأردنيّة، وواقع وآفاق العمل الحزبي فيها.
لقد بدأت التجربة الأردنيّة بإشراك نوّاب في الحكومات، منذ البواكير الأولى لتأسيس الإمارة. وهي تجربة أخذت أكثر من شكل، وفي أكثر من مرحلة، وتبعاً للظروف التي كانت تسود. وقد كانت البداية، إثر إجراء أوّل انتخابات نيابيّة في تاريخ الدولة الأردنيّة، في شهري كانون أوّل وشباط 1929م، حيث انعقدت أولى جلسات مجلس النوّاب الأردني في الثاني من نيسان، من العام ذاته. ولم يلبث مؤسّس الدولة الأمير عبدالله بن الحسين، رحمه الله، أن كلف السيّد حسن خالد أبو الهدى بتأليف وزارته الثالثة، في 17/ 10/1929م، حيث ضمّت الحكومة في تشكيلتها الجديدة ثلاثة من أعضاء المجلس التشريعي المنتخبين، هم السّادة: علاء الدين طوقان، عودة القسوس وسعيد المفتي، علماً بأن عدد حقائب الحكومة كان ست حقائب فقط. والجدير بالذكر هنا، أن وجود نصف الوزارة من بين أعضاء البرلمان لم يمنع حدوث الصدام بين الطرفين؛ عندما أصرّت المعارضة البرلمانيّة على رفض المصادقة على ملحق الموازنة للعام 1931م، ما استدعى قيام الحكومة بالتنسيب بحل المجلس النيابي في شباط من العام نفسه، ولتتبع ذلك استقالة الحكومة بعد أقلّ من أسبوعين على صدور الإرادة الأميريّة، آنذاك، بحلّ المجلس.
ثمّ جاءت وزارة الشيخ عبدالله سراج، دون أن تشرك فيها ممثلي البرلمان. وأعقبتها وزارة ابراهيم هاشم الأولى والتي استمرّت نحو خمس سنوات (1933-1938)، وهي، بالمناسبة، أطول وزارة معمّرة في تاريخ الوزارات الأردنيّة، وكان نصف أعضائها من المجلس النيابي، بمعدّل ثلاثة نواب وزراء من أصل ست حقائب وزاريّة.. وقد استمرّ إشراك النوّاب في تأليف الوزارات، على نحو متفاوت طيلة العقود اللاحقة، حتى العامّ 1996، مع تأليف حكومة السيّد عبدالكريم الكباريتي وقد كانت في غالبيّتها من اعضاء مجلس النوّاب.
بيد أن التجربة الأبرز، ضمن هذا التاريخ، تعود إلى العام 1956م، والذي شهد إجراء أوّل انتخابات على أسس حزبيّة. حيث فازت الأحزاب بأكثر من نصف عدد مجلس النوّاب والذي كان يبلغ في حينه أربعين نائباً.
وبالرغم من أن رئيس الحزب الوطني الاشتراكي المرحوم سليمان النابلسي والذي فاز حزبه بأكبر كتلة في المجلس (حوالي ربع مقاعد المجلس فقط)، لم يحالفه النجاح في الانتخابات النيابيّة؛ فقد عهد جلالة الملك الراحل الحسين بن طلال، إليه، بتأليف الوزارة. فألفها النابلسي على أساس حزبي ائتلافي. وكانت هذه التجربة الرائدة، من حيث الشكل، الأقرب إلى النموذج الغربي المتقدّم، في تأليف الوزارات الحزبيّة البرلمانيّة. وهذه الحكومة استمرّت للفترة ما بين 29/10/1956م- 10/4/1957، تاركة وراءها تجربة مهمّة، بما لها وما عليها، تستأهل القراءة المتمعّنة، واستخلاص الدروس، خصوصاً مع ملاحظة أثر التجربة على الحياة السياسيّة والبرلمانيّة للفترة اللاحقة، وحتى العام 1989م، مع استئناف الحياة الديموقرطيّة.
هذا من حيث التاريخ، واستعراض ملامح التجربة الأردنيّة على هذا الصعيد. ومع ضرورة التأسيس على هذه التجربة، بمحطاتها وتنوّعها، في التخطيط للمستقبل، وملاحظة المتغيّرات الرئيسة، وأثرها ودورها.
وعوداً إلى العنوان الرئيس، وهو الحكومة البرلمانيّة، من حيث مفهومها، وبعض تطبيقاتها، حيث يرى عددٌ من الباحثين، أن مفهوم الحكومة البرلمانية لا ينحصر في مسألة الجمع أو الفصل، بين النيابة والوزارة.
ويعيد بعضهم هذا الأمر إلى اعتبارات العلاقة مع مجلس النوّاب، ومتطلبات الحصول على الثقة. ويترتب عليه، أن أيّ حكومة تنال الثقة البرلمانيّة، حتى لو كانت مؤلفة من وزراء كلهم من غير النواب، فإن هذا لا يمكن أن يعني أن الحكومة غير برلمانية أو لا تتوافق مع أصول النظام البرلماني الديموقراطي. وبناءً عليه، وبحسب المختصّين، فإن "جميع أشكال الحكومات وأنواعها وألوانها هي برلمانية عندما تكون قد نالت ثقة المجلس".
وهنا، لا بُدّ من تلخيص سريع لأبرز سمات النظام البرلماني، والذي يقوم على أساس الفصل المرن بين السلطات. مع وجودتعاون وتوازن بين السلطتين التنفيذية والتشريعية. وفي الغالب الأعمّ يتكون البرلمان من مجلسين.
أما عنصر التوازن في النظام البرلماني، فيعود إلى علاقة التعاون والرقابة المتبادلة بين السلطتين التشريعيّة والتنفيذيّة، إذ تسهم السلطة التنفيذية في عملية التشريع عبر تقديم مشاريع القوانين إلى البرلمان، ويؤكد بعض الباحثين إن أكثر من 90% من التشريعات في النُظُم البرلمانية هي ذات مصدر حكومي.
أما الرقابة المتبادلة، بين السلطتين، فتتجلى، وبوضوح، في حق الحكومة في حلّ البرلمان (أو التنسيب بذلك في الحالة الأردنيّة مثلاً)، وبالمقابل: حق مساءلة الحكومة أمام البرلمان عن طريق السؤال والاستجواب وطرح الثقة بالحكومة وسحب الثقة منها.
وفي هذا السياق من البحث، يأتي الحديث عن مبدأ الفصل بين السلطات، والذي هو أحد المبادئ الدستورية الأساسية التي تقوم عليها النظم الديمقراطية بوجه عام. ويحتّم هذا المبدأ أولاً قيام حكومة نيابية، لأنه لا يسود إلا في ظل النظام النيابي، حيث تتضح فيه الضرورة إلى توزيع السلطات. والفكرة الأساسية التي يقوم عليها مبدأ الفصل بين السلطات تكمن في أهمّيّة توزيع وظائف الحكم الرئيسية: التشريعية والتنفيذية والقضائية على هيئات منفصلة ومتساوية تستقل كل منها عن الأخرى في طبيعة وظيفتها. بحيث لا تتركز السلطة في يد واحدة، تمتلك القدرة، تالياً، على الاستبداد، أو إساءة الاستخدام. إلا أن هذا التعريف، لا يعني الفصل الجامد، أو العضوي بين السلطات، وتحديداً، وفي هذا المعرض من الحديث السلطتين التشريعيّة والتنفيذية؛ فهناك مفهوم آخر مقابل قائم على أساس الفصل المرن بين السلطات، بما يؤكد استقلاليّة السلطات، ويضمن وحدة قيامها بأدوارها ضمن النسق العام.
وهنا، يأتي إشراك النوّاب في تأليف الوزارات، خاضعاً لاعتبارات تشخيص المصلحة العليا، في ضوء معايير النزاهة والعدالة الاجتماعيّة والجاهزيّة، وحتميّة ضمان عدم تمركز السلطة، في يد طرف بعينه، وحينها سيكون الجمع بين النيابة والوزارة سبباً أساسياً من أسباب تأزيم الحياة السياسية وتراجع الرقابة إلى الحدود الدنيا. وهو ما قد يجسّد المقولة الشهيرة بأن: "السلطة مفسدة ، والسلطة المطلقة مفسدة مطلقة".
وفي الحالة الأردنيّة، ينطلق الأساس الدستوري، من حيث أن "الأمّة مصدر السلطات". ويفصل الدستور الأردني بين السلطات الثلاث؛ التشريعيّة، التنفيذيّة والقضائيّة، محدّداً العلاقات على النحو الآتي؛
- الملك هو رأس الدولة، وهو مصون من كل تبعة أو مسؤوليّة (المادّة 30 من الدستور الأردني).. وهو شريك لمجلس الأمّة في السلطة التشريعيّة (المادّة 25 من الدستور الأردني)، ويترأس السلطة التنفيذيّة، من خلال وزرائه (المادّة 26 من الدستور الأردني)، الذين لا تخليهم أوامر الملك الشفويّة أو الخطيّة من مسؤوليّاتهم (المادّة 49 من الدستور الأردني).. فيما تصدر الأحكام القضائيّة باسم الملك (المادّة 27 من الدستور الأردني).
هذا من حيث القواعد النظريّة العالميّة، والمنطلقات الفكريّة والفلسفيّة، ومن حيث محدّدات الدستور الأردني. وكل ذلك، لا ينصّ، كما لا يمنع، تأليف وزارات من أعضاء المجالس النيابيّة، رغم المحاذير العديدة، والتي وصلت حد المنع والفصل المطلق، في تجارب عالميّة ديموقراطيّة متقدّمة.
أما من حيث التطبيق والإمكانات؛ فإن الرأي الذي يذهب إلى كون الحكومات البرلمانيّة تتألف من الحزب الفائز بغالبيّة مقاعد مجلس النوّاب، وفي حال عدم تمكنه من إحراز أغلبيّة المقاعد، يلجأ إلى تشكيل حكومة ائتلافيّة من أكثر من حزب، برئاسة الحائز على أعلى عدد من المقاعد، بهدف تحقيق برنامجه، الذي تمّ انتخاب أعضائه على أساسه؛ هذا الرأي يستلزم جملة من المقوّمات الرئيسة، وتوفر البيئة الثقافيّة والاجتماعيّة، الملائمة لنموّ الأحزاب، وهو ما يتطلب أيضاً عامل الزمن، والتجربة، وبروز البرامج وما إلى ذلك.. فهل هذا متوفر في الحالة الأردنيّة، بما يتيح الوصول إلى هذه الصيغة لتأليف الحكومة البرلمانيّة، وعلى فرض أن هذه الصيغة هي الأفضل، من حيث نتائج الخبرة العالميّة وتجارب الآخرين!!
ومع كل الاحترام والتقدير، والفخر أيضاً، بالحركة الحزبيّة الأردنيّة وتراثها ونضالات روّادها الأوائل، وإسهامها المهم والرئيسي في رفد الدولة الأردنيّة وإدارتها العامّة، بخيرة القيادات والكفاءات والبناة المؤسّسين؛ فإن واقع العمل الحزبي اليوم، والبيئة التي يعمل بها، وما يجابهه من تحدّيات؛ قد لا يتيح تمكن حزب بعينه من الحصول على أغلبيّة برلمانيّة، تتيح له تشكيل الحكومة منفرداً. في حين يجوز التكهّن بإمكانيّة اللجوء إلى مبدأ التكتّل، بين الأحزاب التي نجح ممثلوها بالوصول إلى قبّة البرلمان، لتأليف وزارة جديدة.. وهو ما يفرض جملة من التحدّيات والتعقيدات في هذه الحالة، بالنظر إلى السياق العام، أبرزها:
أوّلاً، بسبب عدم تجذّر جزء رئيس من الأحزاب الأردنيّة، فإن انضمام الأفراد إلى الأحزاب، في أحيان كثيرة يأخذ طابعاً تجميعيّاً، أكثر منه برامجيّاً. وعليه فسيكون هذا البعض أمام اختبار الانسحابات عند أوّل محك.
ثانياً، إن التجربة البرلمانيّة، تدلّ على أن غالبيّة الكتل يتمّ تشكيلها بعد ظهور نتائج الانتخابات وانعقاد المجلس، وأحياناً كثيرة دون معرفة سابقة أو أيّة علاقة تنظيميّة تربط أعضاءها. وهي لذلك، تبقى كتلاً هلاميّة، لأنه لا يجمعها برنامج محدّد متفق عليه؛ في حين أن أي اعتبار آخر يجمعها سرعان ما يزول دوره، في حال تعارض المصالح أو الحسابات، فكيف إذا كان الأمر هو توزيع والتنافس على المقاعد الوزاريّة!
على كل حال، فإن الحكومة البرلمانيّة وبكل تعريفاتها ومفاهيمها، لا تعني اختيار الوزراء من بين النوّاب حصريّاً. وهذا، كما أسلفت في هذه المطالعة، أمر واضح، وتسنده تجارب العالم. بل إن محاذير عديدة تدفع في أكثر من تجربة للفصل بين النيابة والوزارة.
وفي ظلّ الحالة الأردنيّة، وواقع ومستوى تطوّر العمل الحزبي وقدراته، والبيئة التي يعمل فيها؛ فإن التعريف الأمثل للحكومة البرلمانيّة التي نسعى للوصول إليها مع البرلمان القادم، هو المتمثّل بالحكومة التي تحصل على ثقة مجلس النوّاب المنتخب انتخاباً نزيهاً وسليماً.
ويتيح الدستور لجلالة الملك قبل تسمية رئيس الوزراء مشاورة الكتل البرلمانيّة، والأخذ برأيها، سواء حول اسم الشخص الأنسب لرئاسة الحكومة أو مواصفاته. بحيث تكون الحكومة البرلمانيّة المقبلة، كما هو نصّ الدستور، مسؤولة أمام مجلس النوّاب، وقادرة على الحصول على دعمه لمشاريعها وبرامجها..
إن إدخال مبدأ التشاور، في منهجيّة تأليف الوزارات، في المرحلة المقبلة، سيضفي طابعاً جديداً على شكل ومضمون الحكومات البرلمانيّة في الأردن. ويمكن هنا، اقتراح آليّة محدّدة للتشاور، تقوم على مستويين رئيسين، هما:
أولاً، المشاورات التي يجريها جلالة الملك مع الأحزاب والكتل البرلمانيّة والنوّاب المستقلين، حول شخص رئيس الحكومة، وتسمية الأنسب.
ثانياً، المشاورات التي يجريها، تالياً، الرئيس المكلف مع الأحزاب والكتل البرلمانيّة، بحيث تقوم الكتلة، وبحسب حجمها، بتسمية وزير أو أكثر، وطبعاً، من خارج مجلس النوّاب، لتمثيل برنامج الكتلة داخل الوزارة. على أن يكون الرئيس المكلف ملزماً بتمثيل الكتل البرلمانيّة، من خلال تنسيباتها، وبحدود 25% من الوزارة.
إن الانتخابات النيابيّة المقبلة، هي المدخل الرحب، لتأليف الحكومات البرلمانيّة. وسيكون للآلية السالفة، ولاعتماد مبدأ التدرّج واختبار البيئة والإمكانات دورٌ رئيس في الوصول إلى مرحلة تداول تأليف الوزارات بين الكتل الحزبيّة، على أسس برامجيّة، عندما تنضج الظروف الذاتيّة لدى الأحزاب، للوصول إلى هذه المرحلة. وهي النتيجة التي تتيحها النصوص الدستوريّة، وتلبّي كافة متطلباتها.
وبوضوح، فإنه وفي حال فاز حزب أو حزبان بغالبيّة أعضاء مجلس النوّاب، فمن الأفضل تكليفهم بتشكيل حكومة. ولكن، وبواقعيّة، يمكن التنبؤ بخريطة مجلس النوّاب المقبل، والقول بأن المقاعد، خارج إطار النوّاب المستقلين، ستتوزّع على الأحزاب الفائزة، وبأعداد تتفاوت من مقعد إلى مقعدين إلى عشرين مقعداً بالحدّ الأقصى. ولا أظن أن كافة الأحزاب الأردنيّة التي أعلنت مشاركتها في الانتخابات القادمة قادرة على الحصول، مجتمعةً، على نصف مقاعد المجلس + واحد، دون اللجوء إلى المستقلين أو الكتل التي ستتشكل بعد انعقاد المجلس,
وعليه، فإن المهم والضروري والممكن في آن، هو الوصول إلى حكومة برلمانيّة أردنيّة، تكون هذه الحكومة وسطاً بين حكومات الأغلبيّات البرلمانيّة، غير المتوقعة في بلدنا، وبين الحكومات اللا برلمانيّة. وما يجعل الحكومة برلمانيّة ليس مشاركة النوّاب فيها، بل مدى سلطة البرلمان على الحكومة، قبل الثقة وبعد الثقة.