المصري يستذكر "محطة 89" ..
04-12-2012 01:21 PM
عمون - البحر الميت - محمد الهباهبة - دعا رئيس مجلس الأعيان طاهر المصري إلى تجاوز الحديث عما لحق بالأردن جراء الانتخابات النيابية للسنتين الماضيتين (2007 / 2010) .
وقال المصري في ورشة عمل تنظمها وزارة التنمية السياسية في البحر الميت حول الحكومات البرلمانية " لا حاجة بنا لاحصاء الأضرار التي لحقت بالبلد جراء ما شاب انتخابات 2007 و 2010 من عيوب ، وحتى لو لم يكن هنالك تلاعب في الانتخابات بالقدر الذي يظنه الجمهور فان مجرد القناعة بأن تزويرا قد وقع وهو امر افسد المشهد".
وبين أنه ما زلنا نعاني من اثار ذلك حتى الان ، وتابع "وعليه فلا بد من جهد خارق لاستعادة ثقة الجمهور بمؤسساته ولا بد من السير في عمل اصلاحي شامل بغية ردم الهوة على صعيد ازمة الثقة بين المواطن والدولة".
واستذكر المصري ما وصفها ب (محطة 89) وقال التي تنبه الملك رأس الدولة إلى أن أزمة ذلك العام كانت أزمة مركبة سياسية اقتصادية وبالذات اقتصادية عندما كان رفع الاسعار والغلاء كالقشة التي قصمت ظهر البعير ، ولذلك ادرك الملك حقيقة انه اذ ضاقت ظروف شعبه فان المطلوب هو ان يعطيه حرية أكثر واصلاحا اكثر ، ولهذا فتح الباب على مصراعيه للاصلاح كي يتمكن من استيعاب الضائقة المالية في حينه واتخذت اجراءات وقرارات جوهرية يعرفها الجميع وسارت العربة الى الامام بثقة واطمئنان.
تاليا كلمة طاهر المصري :
بسم الله الرحمن الرحيم
السيدات والسادة ،،،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، وبعد ،،،
فأنا وكثيرون غيري ربما، نرى في هذه الندوة المحترمة، فرصة مفيدة، لمراجعة بعض مراحل تطور الحياة السياسية في المملكة، وبصورة موجزة، تتناول تلك المراحل، من وجهة نظر دستوريه برلمانية،وكذلك إدارية.والمراجعة في تقديري، غاية في الأهمية، ولابد أن يكون هدفها، هو الإسهام المخلص، في تجلية المصالح العامة والعليا للدولة، والوطن.
وعليه،فأسمحوا لي أن اساهم في هكذا مراجعة ما استطعت، وعلى النحو الموجز التالي:
أولا: يقتضي المنطق، الإشارة بثناء، إلى حجم التطور الذي احرزه الأردن، منذ نشأة الدوله، وبالذات، على صعيد الدستور، والتشريعات الناظمة للحياة العامه، في إمارةٍ ابتداءً، ثم مملكة لاحقاً، عندما أرسى الدستور في حينه، قواعد راسخه، لمنظومة متكامله، من القيم والمبادئالجيدة، والمفاهيم المقبولة، وبتوافقٍ وطني واسع، في بلد صغير محدود الموارد والإمكانات، لم يبلغ بعد مرحلة الاعتماد على الذات!.
ثانياً: هذا يعني،أن الأردنأحرز قدراً طيباً على الصعيد الديمقراطي، في وقت مبكر، وهو نهج أفرز نظاماً برلمانياً حظي بالتوافق والقبول، وعلى نحو مكنه من إدارة دفة التشريع بشكل جيد، خاصة وأن الحكومات كانت في حينه، ذات مفاهيم إدارية كفؤة، ويتجلى ذلك مثلاً، في أن الإدارةالأردنية، كانت ذات جهاز تنفيذي وظيفيٍ،هو الأصغروالاكثركفاءة وإنتاجيةونزاهه.
ثالثاً: لقد ظل النظام البرلماني الدستوري، حالة راسخة في الأردن، وهي حالة لم تنقطع، إلا في ظروف قاهره، كأحداث، حرب 1967، ونتيجة لِقمةْ الرباط عام 1974، حيث تعطل عمل المجلس النيابي، واستعيض عنه، بالمجلس الوطني الاستشاري، وبرغم أن هذا المجلس لم يكن منتخباً، فقد عبر عن قدرة المجتمع الأردني، على مقاربةالإنجازالتشريعي الفعال، وكانت الإدارةالأردنية، نظاما وحكومة ومؤسسات، داعمين لهذا الأمر، حرصاً على عدم غياب المفهوم البرلماني، عن مجملالأداء الكلي للدولة.
رابعاً: في محطة العام 1989، تنبه "الملك" رأس الدوله، إلى أن أزمة ذلك العام، كانت أزمة مركبه، سياسية اقتصاديه، وبالذات اقتصاديه، عندما كان رفع الأسعار والغلاء، كالقشة التي قصمت ظهر البعير، ولذلك أدرك الملك، حقيقة انه اذا ضاقت ظروف شعبه، فان المطلوب هو أن يعطيه حرية أكثر، وإصلاحاً أكثر، ولهذا فتح الباب على مصراعيه للإصلاح ، كي يتمكن من استيعاب الضائقة الماليه في حينه، وأُتخذت إجراءات وقرارات جوهرية، يعرفها الجميع، وسارت العربة إلى الأمام، بثقة واطمئنان.
خامساً: لا حاجة بنالإحصاء الأضرار التي لحقت بالبلد، جراء ما شاب انتخابات 2007 و2010 من عيوب، وحتى لو لم يكن هناك تلاعب في الانتخابات، بالقدر الذي يظنه الجمهور، فان مجرد القناعة بان تزويراً قد وقع، هوأمر افسد المشهد ، وما زلنا نعاني آثار ذلك حتى الآن، وعليه، فلا بد من جهد خارق، لاستعادة ثقة الجمهور بمؤسساته، ولا بد من السير في عمل إصلاحي شامل، بغية ردم الهوة ،على صعيد أزمة الثقة، بين المواطن والدوله.
سادساً: لقد تم اتخاذ إجراءاتإصلاحية عديده، وهذا أمرلا يمكنإنكاره، إلاأن أزمة الثقة التي أشرت اليها، مازالت ماثلة للعيان، والسبب في رأيي، هوأنالإجراءاتالإصلاحية، لم تنفذكحزمة واحدة. وبرغم ذلك، فقد تجذر تمسك الأردنيين بالنظام البرلماني الحقيقي، وبصورة أكبر، وتجلى ذلك بصورة أكثر وضوحاً، خلال السنوات الأخيرة، وبالذات، خلال مرحلة "الربيع العربي"، ومن هُنا فلست أرى مجالاً بعد الآن، للتراجع عن تأكيد أن دور السلطة التشريعية، دور حقيقي وفعال في مسيرة الإصلاح. وفي الوقت الذي نقرر فيه ذلك، فلابد من الإقرار بعدة حقائق، منها، ضرورة توفير البيئة الكاملة، لتنمية الأحزابالسياسيه.فهيأحزاب ضعيفة إلى حد ملحوظ، ولذلك بالطبع أسبابه العديده، منها ما يتعلق بالثقافة السياسية الديمقراطية السائده، والتي تؤمن بالأشخاص على حساب الفكر، ومنها ما يتعلق بإجراءاتحكوميه، وكذلك، فلا بد من تجسيد حقيقة أنالأمة، هي فعلاً مصدر السلطات، مع ضرورة تعريف أمرين أساسيين في نص الدستور، الأول، مبدأ الفصل بين السلطات، إذ لابد من أن يكون هناك أساس يحدد،أين يقع التكامل والتقاطع، وإصلاح هذا الأمر بصورة كليـــه، والثاني بلورة مفهوم الولاية العامه، وتحديد المهام والصلاحيات، بصورة لا لبس فيها.
سابعاً: إن التوافق على ما تقدم، يقودنا إلى حالة، تسمح بإجراء انتخابات نيابية حرة ونزيهه، وتعبر فعلاً عن إرادة الشعب، وفق قانون انتخاب، يحظى بالقبول العام، عندما يكون ملبياً لطموح الكل، وموفراً للفرص التنافسية الديمقراطية المتكافئة، ليصبح ممكناًعندها، وفي ضوء نتائج الانتخابات، بلورة حكومات برلمانية، يمكن عملياً وصفها بالحكومات المنتخبة، ويتمأسس بالتالي، نهج المراقبة والمحاسبة في جانب، مثلما يتمأسس نهج التشريع في جانب موازٍ، وعلى نحو أكثر عمقاً وموضوعيه.
ثامناً: عندما تكون الحكومة برلمانية بامتياز، والبرلمان معبراً عن تمثيل حقيقي للشعب، تصبح الفرص مهيأة جداً، لانطلاقة توافقية، نحو تفكير أعمق، بتجذير الحياة السياسية للدولة، على أسس حزبية برامجية كامله، وينتقل العقل الجمعي الوطني، نحو ثقافة سياسية جديده، تؤمن بحتمية القبول بحكم البرنامج، وأعني به، البرنامج النابع من فكر سياسي محدد.
تاسعاً: وعندما نبلغ مرحلة كهذه، وبأسلوب متدرج، ولكن دون إبطاء، يصبح التفكير العام في تكريس نهج الإصلاح المستمر، ثقافة عامة، مادام الهدف، هو تجلية المصالح العامة والعليا للوطن.
عاشراً: وعندما يصبح نهج الإصلاح ثقافة ديمقراطية، فان الأزمات، وسواء كانت اقتصادية أو اجتماعية أوسياسية ، تغدو قابلة للحل، ويغدو المجتمع قادراً على التعايش معها، بطرق سلمية حضارية، وتغدو السلطة الرسمية الحاكمة، قادرة على اجتراح الحلول لها.
حادي عشر: ولا يقف الأمر عند هذا الحد، وإنما تغدو السياسات الخارجية للدولة، سواء إزاء إقليمها، أو علاقاتها الدوليه، أمراً أكثر وضوحاً، وأكثر تأثيراً إيجابياً، في شؤون الداخل، وتمتلك الدولة قرارها السيادي بقوة اكثر، وتتموضع عملياً في مكانة اقليمية افضل، وتمسك بزمام دورها الإقليمي، بصورة افضل كذلك، خاصةً عندما يكون شعبها، مطمئناً لنهجها، في ظل سيادة الدستور والقانون، وعلى قواعد العدل والنزاهة والمساواة، وقوة الجبهة الداخلية.
ثاني عشر: إن الإصلاح الشامل، والذي تنجزه وتؤسس له، حكومات برلمانية آتية من برلمانات حقيقيه، بمقدوره أن يتناول سائر ميادين الحياة العامه، في جوانبها السياسيةوالاقتصاديةوالاجتماعية، وهكذا إصلاح، كفيل بتعزيز سلامة النسيج الاجتماعي، وتكريس الوحدة الوطنية، وبالتالي، تجذير مبدأ الأمن الوطني الشامل، عندما يصبح المواطن الفرد، على قناعة تامه، بحتمية المساهمة بدور أخلاقي، وواجب وطني يرقى بالوطن، فأكثر ما يثير المواطن سلبياً، هو فقر مقترن بفساد، أو غيابٍ للنزاهة والعدل، وتلك ثنائية مؤذية جداً، أما فقرٌ مقترنٌ بنزاهةٍ وعدلٍ ومساواهْ، فذلك أمر تتعايش معه الشعوب،وتسعى للمساهمة في تحسينه وبإخلاص، وترضى بأن تتحمل العناء من أجل الوطن، مادام الإصلاح نهجاً مستمراً، على قواعد وأسس واضحهْ.
ختاماً حضرات الأعزاء ،،،
لا يساورني شك أبداً، في قدرة الأردن على اجتياز ازمته الراهنة، فهي وان كانتأزمة اقتصادية مالية في ظاهرها، فإن الحلول الناجعة لها، هي وبامتياز، حلول سياسية في جانب، وحلول سياسات في جانب آخر، وعندما تتماهي المنهجية السياسية الخارجية للدولة، مع سياسات الداخل، في تفاصيلها الاقتصادية والاجتماعية والإصلاحية عموماً، فان ذلك، كفيل بأن يتشكل في الأفق العام، مشهدٌ وطنيٌ راسخٌ ونزيه، يمتلك قوة الحضور والتأثير، في الداخل والخارج، على حد سواء، وهو مشهد عصي بالضرورة، على الانكسار، أو التأثر سلبياً، بتقاطعات المصالح والاجتهادات، سواء جاءت من خلف الحدود، أو كانت من منتج داخلي.
أشكركم جميعاً، وأتمنى لبلدنا السلامة في مواجهة التحدي، وأشكر الأخوة القائمين على أمر الندوة، وأتمنى لها الخروج بتصورات مفيدة.