يبدو أن الإسرائيليين هم أكثر الأطراف واقعية في تعاطيهم مع اجتماع انابوليس المزمع عقده خلال الأسبوع الحالي ، فتسلسل الأحداث والتصريحات المتتابعة تشي بعدم الجدية وانخفاض سقف التوقعات والآمال المعلقة على المؤتمر خصوصا وأنه يقام في مرحلة العد التنازلي لعمر الإدارة الأمريكية الحالية ، هذا ما صرح به شمعون بيريز بكل عقلانية وقوة وصراحة ، وتلك هي الحقيقة نفسها التي ترفض الأطراف العربية قبولها تطبيقا لصورة النعامة التي تدفن رأسها في الرمال .
فلسطينيا ، الرئيس محمود عباس في اضعف موقف يمر به منذ توليه منصب الرئاسة ، فغزة في زمن والضفة في زمن آخر . حتى فتح أصبحت شيئا وكتائب شهداء الأقصى شيئا آخر , والسلطات الفعلية تكاد لا تتعدى بعض الشكليات التي تستلزمها طبيعة المنصب المذكور . أما إذا أردنا أن نجري مقارنة بين ما كان مثلا في أيام أوسلو يوم كان عرفات قادرا على تقديم التنازلات ، فتنازلات عرفات كانت تعكس شخصية قوية على الصعيد الداخلي ، شخصية ينظر إليها بعين الجدية من قبل الطرف الآخر ، أما عباس فحتى تنازلاته لا تعني شيئا للإسرائيليين لأنها تنازلات عن ما لا يملك وما لا يطيق .
أما عربيا فالحديث يتمحور حول تفعيل مبادرة السلام العربية ، وقرار السعودية بالمشاركة ينطلق من هذا المبدأ . ومهما كان مستوى المشاركة سواء بوزير الخارجية أو حتى بالسكرتير الثالث في السفارة – على رأي جهاد الخازن – فالواضح أن ما تنوي إسرائيل - ومن ورائها الولايات المتحدة - تقديمه بهذا الخصوص معدوم ومجهض منذ البداية ، ولا أدل على ذلك من تصريحات وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني أمس خلال اجتماعها بطيبة الذكر كونداليزا رايس , فقد أعلنت وبكل صراحة رفضها لمشاركة الدول العربية في المحادثات الثنائية التي ستجري بين الفلسطينيين والإسرائيليين ، وأكدت على أنه ليس من المفترض أن تحدد الدول العربية شروط المفاوضات أو تشارك فيها .
ولنترك تصريحات بيريز و ليفني جانبا لننتقل صعدا إلى تصريحات أكثر وضوحا وشمولية في ما يتعلق بعملية السلام من أساسها ، فاولمرت أعلن منذ حوالي أسبوعين أن على الفلسطينيين قبل أن يتوجهوا إلى مؤتمر انابوليس أن يعترفوا بإسرائيل دولة للشعب اليهودي . ولاحظوا هنا مدى التناغم في تصريحات المسئولين الإسرائيليين بين الخاص والعام والجزئي والشامل , فالقضية من أساسها قضية فكرة يخدمها الجميع ويعملون من اجلها , ومهما اختلفنا مع هذه الفكرة وشعرنا بالحنق والغيض تجاهها فإننا مجبرون على الوقوف معجبين أمام عنفوانها وقوتها .
هناك في إسرائيل وفي كل الدول التي تحترم نفسها لا يوجد حالة فصام بين الفكرة والتطبيق أو صدام بين العقل والفهلوة ، والمبدأ والتكتيك . فالأشياء كلها تصب في خانة واحدة ، والأمور واضحة إلى درجة يصعب معها على متذاك أن يتذاكى أو يقود نفسه والآخرين نحو الهاوية .
عندنا تختلف الأمور كثيرا ، فليس عندنا فكرة من الأساس ، اللهم إلا ما يتم إطلاقه أمام أجهزة الإعلام والمؤتمرات التي هي على شاكلة انابوليس من وعود وأمنيات يعلم مطلقوها أن تحقيقها مستحيل ودربها شديد الوعورة . بل حتى أننا لا نمتلك مبدأ يوازي ذلك المبدأ في حديث اولمرت عن الشعب اليهودي ، فنحن تارة نريد أن نخرج الدين من المعركة وتارة أخرى نميع الهوية ونقتل خصوصيات الأشياء ، نحن اكبر الخاسرين في معركة الإرهاب والعولمة لأننا أصبحنا نخجل أن نذكر هويتنا بنفس القوة والطريقة التي عبر بها اولمرت عن هويته .
مشكلة كبرى تلك التي نعانيها عندما تنفصل الذات المفكرة عن الذات الناطقة ، فالخطوط الكبرى دائما يضعها المفكرون وأولو الثقافة ، أما السياسيون فواجبهم هو التكتيك وصنع الآليات المناسبة . ولنعد إلى تنازلات عرفات قبيل اتفاقية أوسلو يوم شطب بجرة قلم ما اتفقت عليه شخصيات فلسطينية بارزة من مطالب وشروط للتفاوض ، مما أدى إلى استقالة تلك الشخصيات المهمة وعلى رأسها مفكرون كبار مثل حيدر عبد الشافي وادوارد سعيد وحنان عشراوي .
هل لمستم الهوة الواسعة بين صانعي الأفكار ومطبقيها عندنا ؟ هوة عظيمة ستجعل من انابوليس وكل ما شابهها عبثية مطلقة وتطبيقا للمثل الشعبي القائل " تيتي تيتي مثل ما رحتي مثل ما جيتي " .
والسلام ختام
samhm111@hotmail.com