هذا الانقسام قائم بين الشرعية الرئاسية وبين الشرعية القضائية ، الاولى ممثلة بالرئيس محمد مرسي و يقف خلفه جماعة الاخوان المسلمين وحزبهم كذلك السلفيين ، والثانية تتمثل بالمحكمة الدستورية ونادي القضاة ويقف خلفهما أقطاب المعارضة القوميين والناصريين والحركات الثورية الاخرى .
الانقسام كان قائما حول تشكيل اللجنة التأسيسية للدستور الذي باعد بين الطرفين ، الاسلاميين والمعارضة ، ومنذ ذلك الوقت تحول المشهد السياسي في مصر الى حالة من الفعل ورد الفعل ، فالمعارضة استبقت موعد إتمام اللجنة لأعمالها المقرر في الثاني من الشهر الحالي بالانسحاب منها ، الاخوان قرأوا الخطوة كإجراء متعمد من المعارضة لكسب الوقت بانتظار ان تصدر المحكمة الدستورية قرارها حول حل او بقاء اللجنة الدستورية وهو الحكم الذي كان منتظرا ان يصدر ( امس ) لكن المحكمة أجلت جلستها .
رد فعل الرئاسة الإخوانية على مناورة المعارضة جاء بإصدار الاعلان الرئاسي الذي حصن اللجنة من اي حكم يصدر بحلها من المحكمة الدستورية فردت المعارضة بخروج مئات الآلاف الى ميدان التحرير للمطالبة بإسقاط الاعلان الدستوري . وتطور الامر الى تعليق العمل بالمحاكم وإعلان الاعتصامات والإضرابات . وفيما توقع المراقبون ان يتراجع مرسي عن إعلانه قام بالاندفاع الى الامام بتصويت الجمعية على الدستور الجديد ( بغياب ممثلي المعارضة ) ثم الاعلان عن موعد الاستفتاء عليه في الخامس عشر من الشهر الجاري وسط قيام الاخوان والسلفيين بحشد المليونيات في القاهرة واسيوط والإسكندرية .
رد فعل المعارضة الرافض للدستور الجديد مؤشر على التصعيد ، ويبدو ان حصار جماعة الاخوان للمحكمة الدستورية امس لمنع قضاتها من الاجتماع سيدفع القضاة والمعارضة لمزيد من ردود الفعل التي تعمق الانقسام بين الطرفين .
نحن امام حالة من العودة الى الشارع والاحتكام اليه من خلال التحشيد وعروض القوة الجماهيرية لأنصار كل طرف ، ومع تصاعد المخاوف بين الأوساط السياسية المصرية من حالة الفعل ورد الفعل بين الرئاسة وبين المعارضة فان هذه المخاوف ستزداد خلال الايام المقبلة التي تسبق الاستفتاء على الدستور . ومن المستبعد ان تستجيب المعارضة للدعوة التي اطلقها مرسي من اجل الحوار الوطني لانه يعرضها وسط مشاعر التحدي والإصرار منه على المضي في خطواته الدستورية رغم زخم المعارضة لها .
قد يكون مشروع الدستور جيدا في الغالبية العظمى من مواده لكن اللجوء الى الاستفتاء رغم عدم حصول وفاق وطني حوله بين جميع الفئات المشاركة في اللجنة وفي مقدمتهم الأقلية السياسية والدينية، ينزع عنه صفة الديموقراطية لانه سيكون دستور الأغلبية. في حين يتم تعريف الديموقراطية بانها التي تحرص على موافقة الأقلية عندما يتعلق الامر بالقوانين ، فكيف اذا تعلق الامر بوضع دستور جديد !.
المسألة الأخرى ، ان انجرار الرئاسة الإخوانية الى اسلوب التحشيد الجماهيري لتحدي المعارضة وحصار المحكمة الدستورية يضعف صورتها العامة . فالرئاسة تملك السلطة اما الاحتجاج فهو السلاح الوحيد بيد المعارضة . وان محاولة ممارسة الدورين ( السلطة والاحتجاج ) من قبل الرئاسة الاخوانية ليس من الديموقراطية بشيء ، انما هو سعي لكسر إرادة المعارضة مرة بقوة المراسيم الرئاسية وأخرى بإنزال المناصرين من أحزابها لإثارة الرعب في قلوب المعارضة .
الراي