ما يجرى في مصر من فوضى متعمدة وغوغائية مسيّرة، وتضليل إعلامي واسع، وتناقض عجيب يدفع الشعوب دفعاً نحو الضياع والتيه، ومحاولات مستميتة لتخريب إنجازات الثورة، وإعاقة مسار التحرر الديمقراطي، كل ذلك يجعل المواطن العربي يعيش في بحر من التناقضات والتصرفات العبثية من إجل إشاعة جوّ الإحباط واليأس القاتل الذي يستعصي على البناء والإنجاز ويحول دون الوصول إلى مرحلة الاستقرار.
هللّوا وانبسطت أساريرهم عندما صدر قرار بحلّ مجلس الشعب، وعندما أراد الرئيس إرجاعه لمدة مؤقتة من أجل ملء الفراغ التشريعي، يتمّ من خلالها الدعوة إلى انتخابات جديدة، قامت الدنيا ولم تقعد، وتمّ عقد حفلات اللطم والبكاء على المؤسسة القضائية حتى تمّ الرجوع عن هذه الخطوة، لا لشيء إلاّ لأنّهم لا يملكون الحضور المؤثر في هذا المجلس التشريعي الذي تمّ انتخابه من دون تزوير للمرة الأولى في تاريخ مصر.
تمّ إثارة زوبعة كبيرة وعاصفة هوجاء عندما تمّ تشكيل الهيئة التأسيسية الأولى بحجة أنّه لا يجوز للمجالس التشريعية أن تشكل هذه الهيئة، وتمّ حلّها وإعادة تشكيلها حسب الطريقة التي اقترحها هؤلاء، وعندما باشرت عملها في تدوين الدستور خلال الأشهر الماضية، تملّكهم الخوف من أنّ إنجاز الدستور سوف يدفع نحو الاستقرار الديمقراطي، فتمّ افتعال الخلاف مرة أخرى داخل الهيئة، وأخذت هذه القلّة المشاغبة تهدد بالانسحاب من اللجنة وفعلاً قرّروا الانسحاب، وأخذوا يثيرون اللغط حول صيغة الدستور الجديد وأنّه سوف يكون معبراً عن توجّه الأغلبية المتسلطة.
وحتى يكتمل المشهد الفوضوي أخذوا يعدّون العدّة لإبطال الهيئة التأسيسية وضرورة حلّها، من أجل استباق عملية إنجاز الدستور وعرضه على الاستفتاء الشعبي، وذلك بغية إرجاع الأمور إلى المربع الأول، وزيادة على ذلك أخذت هذه القلّة تخطط لحلّ مجلس الشورى بالطريقة نفسها التي تمّ فيها حلّ مجلس الشعب، بل تعدّى الأمر إلى محاولة إبطال الإعلان الدستوري الأول الذي حيّد المجلس العسكري، من أجل إعادة الأمور إلى قبضة العسكر والعودة إلى مرحلة الصفر أو ما دون الصفر.
الشعار المرفوع لدى هذه القلّة المشاغبة أنّ الرئيس أعطى نفسه صلاحيات كبيرة وواسعة في غيبة المؤسسة التشريعية، وفي ظلّ الفراغ الدستوري الذي تعيشه البلاد، ولذلك ينبغي أن يكون الحل لو أراد هؤلاء القوم مصلحة مصر هو التعجيل بتدوين الدستور الجديد، الذي يقلّص صلاحيات الرئيس ويوزع السلطات بشكلٍ عادل، وإنهاء المرحلة المؤقتة، وإكمال مؤسسات الدولة الدستورية والانتهاء من المرحلة الانتقالية.
فهؤلاء القوم لا يريدون مجلس الشعب، ولا يريدون مجلس الشورى، ولا يريدون الهيئة التأسيسية ولا يريدون الرئيس؛ بل أنهم لا يريدون الانتخابات أصلاً، ووصل الأمر بهم إلى القول أنّ هذه الانتخابات هي التي أفرزت "هتلر" و"موسيليني"؛ ولذلك ليست الانتخابات هي الطريق الصحيح، وعندما يقال لهم: ينبغي أن نذهب إلى الاستفتاء الشعبي العام لحسم الخلاف المحتدم من خلال الخضوع لنتائج الاستفتاء، يسارعون بالقول: ومن قال أنّ الاستفتاء الشعبي يفرز الرأي الصحيح؛ لأنّ الشعب المصري على حد قولهم عبارة عن كم كبير من الجهلة والأميّين الذين لا يدركون مصلحتهم الحقيقية !!.
إذا كان الشعب جاهلاً، وانتخابه للرئيس غير مرض، وانتخابه لمجلس الشعب غير مرض، واستفتاؤه على الدستور غير مرض، فما هو الحل إذن؟، هل استبدال الشعب هو الحل؟، أم الإتيان بهذه القلّة تحديداً إلى السلطة بأية طريقة وبأية وسيلة هو الحلّ؟، ولتكن بغير الانتخابات وغير صناديق الاقتراع !! .
rohileghrb@yahoo.com
العرب اليوم