بقي شهر وعشرون يوما على الموعد المحدد لاجراء الانتخابات البرلمانية، لكن لا يوجد اي شيء يدلّ على ان اغلبية الاردنيين مشغولون بذلك حتى الذين تراودهم “الرغبة” في الترشح يشعرون بالخجل من عرض انفسهم على “الناخبين”، والسؤال الذي ما زال غامضا بلا اجابة: هل ستجري الانتخابات في موعدها؟ وهل لدى “المطبخ” السياسي خيارات اخرى جاهزة ام ان “المسألة” ما زالت معلقة بانتظار ما تحمله الايام القادمة من مستجدات او مفاجآت؟
امامنا اذن خياران: ان نذهب الى الانتخابات باعتبارها المخرج الاقل كلفة –كما يعتقد بعض المسؤولين- وحجتهم في ذلك ان اغلبية المواطنين سيتعاملون بايجابية مع هذا الاستحقاق، وان التجربة بالتالي ستنجح حتى وان قاطعها الاسلاميون وغيرهم، ويستشهدون على ذلك بما جرى في الكويت حيث جرت الانتخابات امس الاول في ظل معارضة واسعة وانتهت بسلام، وحسب هؤلاء فان اجهزة الدولة قادرة على انتاج عملية انتخابية نزيهة ومقنعة، واننا –بالتالي- سنكون امام مجلس نيابي مختلف، تشارك فيه “كتل” سياسية وشخصيات ذات وزن مقبول، الامر الذي سيسحب “البساط” من تحت “المعارضين” ويزعزع ثقة “الشارع” بالحراكات، وينقل المواجهة الراهنة بين الدولة والمعارضة الى مواجهة بين البرلمان والحكومة التي تنبثق عنه وبين المعارضة، وبذلك تكون الامور قد عادت الى سياقاتها السياسية المأمونة وخرجنا من عنق الزجاجة.
اما الخيار الآخر فيرى اصحابه انه الذهاب الى الانتخابات وسط هذا المزاج الشعبي المضطرب سيعيدنا الى مربع “الازمة” من جديد، ان لم يعمقها اكثر، والاسباب هنا كثيرة ومفهومة، وبالتالي فان امامنا مخرجين: احدهما تأجيل الانتخابات مما يستوجب عودة المجلس المنحل، والثاني اعلان الاحكام العسكرية لمدة محددة جدا من اجل التوافق على قانون انتخاب يحظى بمشاركة اغلبية القوى السياسية، ومع ان المخرجين يحتاجان الى “تكييف” دستوري الا ان المهم هو “التكييف” السياسي، بمعنى ان يتوفر لدينا –خلال هذا الشهر- مبادرة سياسية تطرح على طاولة حوار وطني وتخرج عنها “وثيقة” محددة مضمونا وتوقيتا، وتكون ملزمة لكافة الاطراف.
لا اعتقد ان “المطبخ” السياسي قد حسم خياراته بأي اتجاه حتى الآن، والثابت الوحيد الذي يتردد في دوائر القرار هو ان الانتخابات ستجري في موعدها، كما ان الهيئة المستقلة للانتخابات ما زالت تمارس عملها بشكل اعتيادي، اما المتغيرات الممكنة التي ربما تدفع الى البحث في الخيارات الاخرى فهي تتعلق بمسألتين: احداهما داخلية ترتبط “بالشارع” وحراكاته، والمسألة الاخرى ترتبط “بالملف” السوري تحديدا، وما يمكن ان يطرأ عليه من تحولات او مفاجآت، ولدى المراصد السياسية الاردنية –هنا- قناعة بان نظام “الاسد” اصبح يعد ايامه الاخيرة، وبأن المرحلة الانتقالية التي ستلي سقوط النظام ستسمح للاردن بلعب دور افضل، وستفتح امامه خيار ترتيب اوضاعه بشكل مريح، زد على ذلك ان ثمة متغيرات تتعلق “بالوضع” المصري وبالحسابات الدولية الاخرى، وهذه يمكن التكيف معها بسهولة.
وفق هذا التصور يبدو ان المسؤولين في بلادنا مطمئنون الى ان “البوصلة” تسير في الاتجاه الصحيح، وان “الاحتقانات” التي شهدها الشارع في طريقها الى الانحسار، وان “الازمة” الاقتصادية يمكن معالجتها خاصة بعد ان بدأ “الدعم” الخيلجي يقترب من الوصول، لكن السؤال المهم: هل صحيح فعلا ان “الازمة” التي نعاني منها يمكن الخروج منها “بالانتخابات”؟ وهل كل هذه المتغيرات التي اشرنا اليها تبدو مطمئنة وبأننا نسير في الاتجاه الصحيح؟ وهل قراءة المشهد السياسي والشعبي وفق هذه الرؤية تكفي ام انها تبدو مستعجلة وغير دقيقة؟
الدستور