غياب "الكبير" أوقع المجتمع الأردني في "أزمة أخلاق" (تحقيق)
02-12-2012 03:33 PM
*القضاة: تغييب الكبير منهجية اعتمدت مؤخراً من الجميع
*شريف: الأصغر عمراً يستلذون في إهانة الكبار
*العين الماضي: الدولة تمارس حملة تهميش على القيادات العشائرية أفقدتها دورها
*الدقس: غياب الأسرة الممتدة سبب مباشر
عمون - تزيح الأحداث السياسية والاجتماعية التي تشغل الرأي العام الأردني النقاب عن توجه عام مفاده "لا مكان للكبير بعد اليوم" ومرد ذلك لعوامل مختلفة غيبت الكبار "سناً وقدراً" عن ساحة التأثير الاجتماعي الذي كان من الامتيازات المسجلة لمجتمعنا الأردني.
في سالف الزمان كان شيخ العشيرة ومختار القرية لا "يثّني" كلمته لأن من هم تحت رعايته يدركون بأنه لا ينطق عن فراغ وإنما الخبرة التي يمتلكها والمعاشرة والمجالسة أكسبته انضاج الرأي قبل إخراجه إلى حيز العمل.
"إللي مالو كبير يقع في البير؛ واللي ما الو كبير يدور عكبير" عبارات كانت على لسان أبناء المجتمع الأردني لتوكيد دور المخاتير في حياتهم وهو ما أخذ منحى الانحسار حاليا بعد توجه الناس للأسرة النواة التي لا تضم في كنفها أكثر من المرأة والرجل والأولاد بعكس ما كان سائدا في السابق من أسر ممتدة يكون للجد وجد الجد كلمة على الجميع كما يقول استاذ علم الاجتماع في الجامعة الأردنية الدكتور محمد الدقس.
الدقس والذي يرى في العادات والتقاليد المنصرفة والتكنولوجيا التي أخذت جُل وقت الناس إضافة لتوجه الناس بالهجرة من الأرياف إلى المدن أسباباً مباشرة لغياب الكبير لم يغادره ذكر الوازع الديني المهمش وهو ما شاركه به الرأي عميد شؤون الطلبة في جامعة الشرق الأوسط سليم شريف الذي اعتبر الاعلام بأنواعه وعلى رأسه الديني منه السبب لما وصلنا اليه من حالة.
ولأن لكل شيء ثمناً كانت الضريبة المدفوع للتطور الحضاري هي "قلة الاحترام للكبير" في هذه الأيام برأي العين الشيخ طلال الصيتان الماضي فقد قلت حاجة البشر لبعضهم هذه الأيام التي يعاني فيها البشر مما أسماه الماضي بـ"أزمة أخلاق".
ومع الانفتاح الذي توجه إليه العالم خلال العقود الأخيرة لعب الإعلام دوراً كبيراً في تصغير حجم الكبار فالوزير والقائد الأمني والنائب والمعلم وغيرهم صاروا مهمشين تحت ذريعة الديموقراطية كما يقول الدكتور شريف استاذ علم النفس كذلك، مؤكداً أن المسلسلات "البدوية" والتعليقات التي كانت توجه لها هي التي جلبت الصورة النمطية "غير الجيدة" عن شيخ العشيرة ورجل العرب وما هو على شاكلة ذلك من أوصاف.
القضية لا تخص طرف الأصغر الذين يأتمرون بأمر الأكبر بل أنها ثنائية متكاملة كما يقول الشيخ الماضي فـ"قلة الهيبة وعدم الاحترام" تعود للكبير وشيخ العشيرة نفسه الذي يكون وارثاً للشيخة والمكانة دون أن يطور من نفسه ويستزيد من الثقافة لتكون آراؤه صائبة وفقاً لوصفه.
وكما كان سائداً بين الناس حول عدم الخوف من ابن العشيرة لأنه الأصيل الذي لا يهضم الحقوق وإن فكر بذلك فبالامكان معالجة القضية بسهولة لتواجد من "يمون" عليه من والد أو جد أو شيخ لعشيرته؛ كل ذلك أخذ بالانقراض كما يقول شريف نتيجة تحول القاعدة من "لكل فعل رد فعل مساوٍ له بالمقدار ومعاكس في الاتجاه" إلى "لكل فعل رد فعل ولكن غير متوقع" وهو ما يؤدي للمشاجرات العنيفة وانفجار ظاهرة العنف المجتمعي.
التوجه للعنف مثلاً يعزوه العين الماضي للفوارق الطبيقة والمادية وإعطاء المسؤولية لمن لا يستطيع حملها كما أن "حملة التهميش التي مارستها الدولة على القيادات العشائرية أدى لإفقادهم دورهم بالتالي تغييبهم عن مكانتهم التاريخية في المجتمع".
الوازع الديني الذي أجمع الناس على غيابه ناتج عن عدم تطبيق حديث الرسول صلى الله عليه وسلم "ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا" وغيره من الأحاديث التي توجب علينا احترام الكبير ورأيه كما يؤكد وزير الشباب الأسبق الدكتور محمد نوح القضاة.
الداعية القضاة يعتبر التكنولوجيا مسخرة بين يدي البشر وليست مسببة لهذه الظاهرة التي صارت منهجية في تغييب الشخص الكبير على جميع المستويات في المجتمع والعشيرة والأسرة الواحدة حيث يتجه من هو فيهن للارتقاء من خلال الانتقاص من الشخص الاكبر.
وعن طبيعة الاحترام الذي يجب ان يوجه للكبير أكد القضاة أن الكبير يحترم لكنه لا يقدس فالأصل التشاور معه وجعله ينطق بالحكم النهائي لأي موضوع لأنه الأقدر على تحمل المسؤولية وتوجيه الأحكام بعد تشريبها بالخبرة والتجربة.
هذه القضية هي المسبب المباشر لمعظم المشكلات التي نواجهها من عنف اجتماعي ومشكلات أسرية ونوزاع ضيقة حزبية كانت أم دينية أم أقليمية كما اجمع الخبراء الذين تطلعوا لمؤسسات المجتمع المدني ومؤسسات التنشئة الاجتماعية وعلى رأسها الأسرة على أنها المنهية لهذه القصة؛ وكان للإعلام نصيب الأسد من المطالبات بلعب دور أكبر في إنهاء هذه المشكلة.