المخرج: لا يفلّ "نار" الاقتصاد الاّ "ماء" السياسة.. ولا يفلّ "نار" السياسة الاّ "ماء" الاقتصاد!
على خلاف الدول المتقدمة، "الابطال" عندنا هم فقط من اتخذوا القرارات السياسية الصعبه جدا في الاوقات الحرجه جدا... فخلدوا.
للأسف، لا يوجد عندنا "بطل" اقتصادي او بطل "رياضي" او فني".. كلهم جنود "مجهولون"... هكذا هي ثقافتنا "للابطال".. فلعب بهذات العقلية وذات الثقافة اليوم قبل الغد ... يا دولة الرئيس!
هل يوجد اقتصاد سياسي اردني متبع؟!
أكاد أجزم بأن الاردن لم يعرف الاقتصاد السياسي بمعناه الحقيقي والعقلاني منذ نشأت الدولة الاردنيه, وجاءت جميع الحكومات بطريقة مباشرة او غير مباشرة لتكرس سياسة الفصل بينهما, وقد يتوهم للبعض بأن الاقتصاد السياسي كان موجودا وما زال؟! اذ ان سياسات الحكومات الاردنية المتبعة كانت تميل الى استراتيجية, الفصل و"تسليم الدوريات" بين السياسة والاقتصاد, فكلما ضاق بالوطن الوضع الاقتصادي, اتجهت الحكومات نحو السياسة و"الاصلاح" السياسي, والعكس صحيح. فالسياسة تأتي متنفساً للاقتصاد والاقتصاد متنفساً للسياسة... "تسليم دوريات" لا أكثر لتفريغ الاحتقان الداخلي, و على مر العصور!
فخلال فترة السبعينيات من القرن المنصرم وحتى منتصف وآخر الثمانيات مثلا, كان الاردن يعيش في افضل عصوره الذهبيه الاقتصادية, في الوقت الذي لم تشهد البلاد اي اصلاح سياسي يذكر, حيث البرلمان كان مغيباً, والاصلاح السياسي لم يكن له ليولد, حتى جاءت ضربة الدينار الاردني, وانتفاضة الخبز في الجنوب, واللجوء الى البنك وصندوق النقد الدوليين في اواخر الثمانيات. عندها, اي عند الازمة الاقتصاديه والماليه, فتحت ابواب السياسة, وخرج الاصلاح السياسي دفعة واحدة, ودشنت الانتخابات, وظهرت الديموقراطيه بجلالها دفعة واحدة وبأفضل قانون انتخاب.. وكل هذا حدث في أشهر!
لم يستمر شهر العسل السياسي طويلا ليعود الاقتصاد ليحكم, خاصة بعد توقيع اتفاقية وادي عربة, حيث فتحت ابواب الارض لا السماء, واعيدت معها الهبات والمنح والقروض, وتم فك "الحصار" الاقتصادي عن الاردن..شكرا "اسرائيل". عند هذا المد الاقتصادي, بدأ الجزر السياسي يظهر, وخرج قانون الصوت الواحد وقيّدت الصحافة وقوانينها واجهض كل ما تم حمله من امال واماني قبل " اتفاقية وادي عربة", وزورت الانتخابات اللاحقة, وحدث للانتكاسة السياسية المحليه ما حدث.
في الاونة الاخيرة, حدث نفس السيناريو بالتركيز على السياسة واقصاء الاقتصاد, فبعد اتمام عملية "الاصلاح" السياسي المنقوص للحكومات الماضيه, بقانون انتخاب غير منتخب واقرار قوانين غير شعبية تحكم المسيرة الاصلاحيه السياسية, اغلق الملف السياسي وحل البرلمان وليعاد فتح الملف الاقتصادي, وسياسات رفع الدعم, واتباع سياسة اكثر ليبرالية وانفتاحا على زمن النسور.
ومن هنا, اذا ما تتبعنا تاريخ "الاقتصاد السياسي الاردني, نجد سياسة الفصل بينهما دائما متبعة, وسياسة "تسليم الدوريات", بين الاقتصاد والسياسة دائما ممنهجة بطريقة او باخرى, ارادية او غير ارادية. ولكن نادرا ما نجد الاقتصاد السياسي يتبع كاستراتيجيه قومية ممنهجة ومدروسة نحو التنمية الشاملة والاستقرار والرخاء.
الخروج من المأزق: للوطن أولا وللنسور ثانيا!
بما ان الاقتصاد نال من جهدكم ما نال, واستباح المشهد السياسي بمعارضيه ومؤيديه, وارٌق المواطن وطغى على عقله وقلبه وشؤون حياته, يستحسن من الحكومة الان "انهاء" الملف الاقتصادي الان, بالرجوع وتسليم الراية مرة اخرى للمنحنى السياسي, ولكن هذه المرة, بما يتماشى مع تطلعات الشارع .. حتى تكون "منتصرا", او الركون الى سياسات الحكومات السابقة في التعاطي مع الملف السياسي المحلي, وتكون "فاشلا".. الامر يعود اليكم!
باختصار, قد يبدو للجميع بأن صيحات الشارع الاخيرة هي اقتصادية وبفعل الاسعار, ولكن "الطبيب المختص" يقول انها آلام سياسية بحته نتيجة تراكمات من عدم الثقة واخفاقات سياسية سابقة, ظهرت عوارضها على السطح الجلدي الاردني على شكل "فقاعات" اقتصادية.
ومن هنا نقول, على النسور ان يتبع سياسة كي الاقتصاد بالسياسة, فلا يفلّ نار الاقتصاد الاّ ماء السياسة, حتى يخرج "منتصرا" للمشهد السياسي الاّني. امامه عدة اوراق سياسية تحمل اماني وتطلعات الشارع الاردني, يعرفها جيّدا كما نعرفها رأي العين, بعضها قد لا يستطيع تمريرها, لكن والاهم عليه بالتاكيد ان يلعب بالاوراق السياسية الاخرى وفي القريب المنظور مهما كانت التحديات وبلغت "التهديدات".
فكر جيدا, وتمعن في الاوراق السياسية تستطيع ان تمررها و"تنتصر"؟ امض وارم ولو بورقة سياسية واحدة, أو بذات الورقه التي اتت بك الى سدّة الحكم" عندما كنت في البرلمان, وبما تمليه أقلام و تطلعات الشارع, اذا ما اردت فعلا أن تجتاز المرحلة, ولتستطيع ان تحلّق مرة اخرى بجناجيك في الفضاء السياسي الاردني ... متى اردت ومتى شئت تارة أخرى!
Dr_waleedd@yahoo.com