حريم السلطان .. بعيداً عن الدراما
د. هاني البدري
29-11-2012 03:04 PM
انتصر رئيس الوزراء الجدلي، وصاحب نهضة تركيا العلمانية المعاصرة , والساعية للتمسح باذيال الاتحاد الاوروبي، الواقفة على اعتاب الاتحاد منتظرة الاذن الصعب بالدخول..
رجب طيب اردوغان، انتصر وبشكل مفاجئ وعنيف لتاريخ اجداده سلاطين الدولة العثمانية العلية, فخرج بالتنديد بالتشويه المنظم الذي مارسه مسلسل حريم السلطان التركي والمعروض بكثافة على الشاشات العربية لصورة سلاطين الدولة العثمانية وفي مقدمتهم السلطان سليمان .
تبرأ أردوغان من المسلسل ذي الانتاج الضخم في مكان وتوقيت لهما دلالاتها الرمزية سعياً لتمرير رسالة للعالم قبل ان تكون لابناء بلده، فقد وجه نقده الشديد للمسلسل لدى افتتاحه عدة مشاريع عملاقة ومطاراً ضخماً ومؤسسات كبرى مؤكداً " اننا نعرف خطواتنا في هذا العالم اليوم ووظيفتنا، نذهب إلى كل بقعة وصل اجدادنا إليها على ظهور الخيل, وذكَر بأن السلطان سليمان الذي هو محور المسلسل قضى ثلاثة عقود من عمره على ظهر الخيول في اطار الفتوحات التي حققها للامبراطورية.
اي ربط هذا الذي اراده اردوغان اليوم في دفاعه المستميت عن شخصية السلطان وتنديده بالعمل ومنتجيه رغم جماهيريته الطاغية في تركيا والعالم العربي واوروبا..؟! وأي توقيت أراد له الرجل ان يكون الاكثر ملاءمة لصعود النجم التركي الحالم..؟!
اللافت في موقف اردوغان من المسلسل الذي حقق ايرادات غير مسبوقة في الدراما التركية المدبلجة لعدة لغات عالمية، انه وجد من دراما الجواري والولع ودسائس الحرملك ..فرصة للتذكير بما كانت عليه الدولة العلية اثراً وتأثيراً في عالم مارس سنوات من الضغوط على تركيا ليتأهل لاعباً في المنظومة الاوروبية، مشيراً إلى تركيا التي وصلت إلى اقصى الدنيا على ظهورها الخيل قادرة اليوم ان تذهب إلى كل بقعة وصلها اجداده، بالدور والتأثير.
هو اليوم يوجه نقده إلى اوروبا التي لفظته، لتترك له مساحة يدرك خلالها هذه النهضة الحديثة لبلده فيما اعضاء كبار في الاتحاد الاوروبي يكادون يُعلنون افلاسهم وفي مقدمتهم اليونان الجارة اللدودة, واسبانيا التي تقترض المليارات لانقاذ اقتصادها.
بعيداً عن الدراما، انتصر اردوغان لصورة سليمان القانوني وسلاطين الدولة العثمانية ولانجازاتهم التي طالت ثلاث قارات من العالم ,فجاء رد المعارضة التركية لينقَض على خصمهم الصعب من باب التغول على الفن والثقافة ولكن مع التحيز لرفض الاساءة لفاتح كبير بحجم السلطان سليمان الذي ظهر في اغلب حلقات المسلسل وهو يصنع الجواهر ويقيم العلاقات الغرامية التي تحدد شكلها ووقتها على نحو ما ,السلطانة الام التي تدبر مسائل الحرملك.
رغم ان المسلسل يدر كما تفعل الدراما التركية بشكل عام مئات الملايين على تركيا, إلا ان موقف الدولة من الاساءة لرموزها وتشويه صورتهم تحت "نبديرة" التشويق والاثارة وتوسيع شغف المشاهدة، يعتبر موقفاً محترماً يحمل جملة مضامين جوهرية لاهمية ابراز العلاقة بين الامة وتاريخها.
كانت تركيا الرسمية دائمة الشكوى من عرض مسلسلات سورية تقدم جيشها وقوات دركها ورموزها بصورة مسيئة في اعمال عديدة لنجدت انزور وغيره, وقد هددت مرة بسحب سفيرها من احدى الدول العربية التي كانت تبث احد هذه المسلسلات ، وتم وقتها ايقاف المسلسل عن العرض وهدأت الازمة.
ما يحدث ان الدولة تنتصر لتاريخها وتكافح لمنع تشويهه حرصاً على حاضرها وذاكرة ابنائها، ولعلي اجزم ان هذه النهضة التي تعيشها تركيا اليوم لم تكن لولا هذا النفس العالي في تشكيل تصور جمعي يحترم الماضي ويسقطه مثلاً لما يحدث اليوم.
ليس المهم في كل هذا قيمة الانتاج الضخمة التي تعدت النصف مليون دولار للحلقة الواحدة، ولا الديكورات الفخمة والازياء المذهلة والاداء الدرامي الفريد والمشاهد الخلابة والخيال الاخراجي العذب والبناء الدرامي المتزن، ولا العائدات المهولة التي اتى بها المسلسل من دول العالم حين نطق بلغتها، المهم ان التاريخ التركي يجد من ينتصر له فيما تاريخنا العربي والاسلامي يجد كل يوم الملايين لمن يسيئون له ويشوهون صورته عمداً او جهلاً وحتى بأساليب تترآى لنا على انها تخدم الاسلام. الغد
نرمين
29-11-2012 | 03:47 PM
الرد على تعليق