عن مبادرة رحيل الغرايبة وإخوانه
احمد ابوخليل
29-11-2012 04:01 AM
من المؤسف أن يجري تناقل خبر المبادرة التي أطلقتها مجموعة من الاسلاميين واعلن عنها الدكتور رحيل الغرايبة، بطريقة "الخبر العاجل" عن انشقاق في الحركة الاسلامية، وهو ما أدى الى فرح فريق وابتئاس فريق آخر. إن من مظاهر تدني مستوى العمل السياسي في البلد، أن يجري انتظار أو تمني الانشقاق عند الخصوم باعتباره أمراً يفتح الطريق أمام الانجازات وتحقيق الفرص.
من المؤسف بالمقابل أن تتعامل الحركة الاسلامية مع خصومها أو مخالفيها، من داخلها وخارجها، باعتبارهم متآمرين عليها يسعون الى تفريق صفوفها ويفرحون بتشتت فرقها، وهو ما يجعل منتسبي الحركة بين فترة وأخرى يصيحون: "واتنظيماه" أو "واجماعتاه".
مع حرصي على الابتعاد عن شخصية "الواعظ"، (رغم ما في ذلك من تخل عن الاستمتاع بما توفره هذه الشخصية من انتفاخ)، أقول إن الاسلاميين وخصومهم، من خلال هذا النمط من العلاقة، يدمرون الحياة السياسية، وفي طريقهم يدمرون المجتمع سياسياً وثقافياً واخلاقياً.
اسمحوا لي أن أنقل فيما يلي فقرة كاملة من مقالة رحيل الغرايبة التي يوضح فيها مبادرته، فهو يقول: "من أعظم العوائق أمام نجاح الحركة الإسلامية أحياناً في بعض الأقطار أن يتسلل الأفق الضيق والفكر الضحل إلى بعض القائمين عليها، أو بعض الذين تسللوا إلى مواقع القيادة، وهم ليسوا أمناء على فكرتها ولا رسالتها، وحولوها إلى إطار حزبي فئوي ضيّق، لا يتسع إلى من يشاركهم الفكر والعمل، فكيف بقدرتهم على استيعاب الطاقات والكفاءات المبثوثة في المجتمع".
إذا نجح أصحاب المبادرة في محاربة "الأفق الضيق والفكر الضحل" وسعوا الى جعل الحركة تتمكن من تجاوز "الإطار الحزبي والفئوي الضيق"، فسيكون هذا عظيماً. إنه هدف كبير ليس من أجل الحركة الاسلامية ذاتها، بل من أجل الحركة السياسية الوطنية ككل.
من الواضح أن في المبادرة أمر جديد، لكن اسمحوا لي بالتذكير بأنه خلال العام الأخير، وفي سياق محاولة الحركة الاسلامية تحقيق قدر من المرونة والتكيف مع المجتمع السياسي، اختارت أسلوباً غريباً تمثل في "تفريخ" اصطناعي لعدد لا يحصى من الهيئات والحراكات والتجمعات، وكان المشهد على الأرض فكاهياً (رغم ان الاسلاميين "ضعاف" في الفكاهة)، فالجميع كانوا يعرفون أن هذه "التسميات" مسبقة الصنع، وقد كنت اتابع باستمتاع في عدد من الحالات، النظرات المتبادلة بين ممثلي هذه الهيئات "المستقلة" وبين قادتهم، وخاصة عندما يسمح قائد كبير لأخيه "المستقل" الأصغر، أن يسبقه في الكلام أو أن يقوم احدهما بالاختلاف مع الآخر أو تأييده وإعجابة بالفكرة الجديدة "المفاجئة" التي قدمها. لا أخفيكم أن في ذاكرتي شيئ من هذا القبيل مارسناه أيام العمل السري، فقد كان لليساريين فكاهاتهم أيضاً، مع ملاحظة الفرق بين الظرفين.
يمكن للمتابع أن يتلمس أن المبادرة الحالية فيها قدر من الجدية، فهناك أسماء وأفكار جديدة، ولعل اطلاقها في ظروف التجربة المكثفة والقاسية (قسوة جميلة وطنياً) التي تعيشها الحركة الاسلامية في مصر، يسهم في تعميق النقاش. ليس المطلوب ان تندحر الحركة الاسلامية أو أن تتفتت، ولكن المطلوب أن تنزل الى الأرض باعتبارها تجربة بشرية، يمكن أن يوجد مثلها وأسوأ منها وأحسن وأصدق منها أيضاً .
ahmadabukhalil@hotmail.com
العرب اليوم