في احد شوارع عمان التجارية الاكثر ازدحاما، كان المشهد كئيبا، اختصره صاحب ملحمة –وهو شاب لم يتجاوز الثلاثين من العمر- بالقول: كل شيء تغير، مبيعاتي تراجعت بشكل مذهل، جاري الصرّاف هو الوحيد الذي يعمل، جاري الآخر اغلق محله واشهره للبيع، عشرات المصريين الذين اعرفهم قرروا العودة لبلادهم، بعض الزبائن ذكروا لي بأنهم اشتروا بمدخراتهم المالية سبائك من الذهب خوفا من القادم.
اضاف الشاب: هذه المرّة الاولى التي اشعر فيها “بالقلق” صدقني لم اتوقع يوما ان اسمع ما سمعته في الايام الماضية، تصوّر على “دوار النزهة” اجتمع شباب اعرفهم تماما ولم يسبق لهم ان فكروا بالخروج الى الشارع ورددوا شعارات خطيرة... ارجوك قل لي: ماذا يحدث؟ هل الوضع خطير؟ هل يعرف المسؤولون ما يدور في المجتمع؟ هل وصلتهم صرخات “الخوف” وأنين الجوع؟... ثم تنهد الشاب قليلا وقال:هل شاهدت ما قاله ضيوف احد البرامج الحوارية على قناة “كذا”، يا الهي، تصورت انهم يتحدثون عن بلد آخر لا عن الاردن... الهذا الحدّ وصل البلد؟..
في قرية منسية في الجنوب، اجتمع نحو عشرين شابا بعمر الورد، وطرح احدهم ذات السؤال: ماذا يحدث في بلدنا؟ احتدم النقاش وارتفعت سقوفه، اعترف الجميع باننا نسير نحو المجهول، كانوا احرص ما يكون على الوطن وأمنه، لكنهم اعترفوا بأن ما يرونه اكبر من قدرتهم على فهم ما حصل وما يمكن ان يحصل، قال اوسطهم: لا بد ان نتحرك، ان نفعل اي شيء، سألته: كيف؟ فعاد الجدل مرة اخرى وفي ثناياه حديث عن الجوع والتهميش والفساد والعبث والمؤامرة.. فهمت مدلولات هذه المصطلحات لكن لم افهم معنى المؤامرة، ابتسم احدهم وقال: ما يحدث في بلدنا ليس صدفة..
بعد دعوة عشاء في ضاحية على كتف احد جبال عمان، دار نقاش طويل بين مجموعة من اساتذة الجامعة واعلاميين واقتصاديين، والموضوع هو نفسه: بلدنا الى اين؟ تحدث الجميع واحدا تلو الآخر عن ازمة السياسة وازمة الاقتصاد، عن المجتمع وعن الدولة، عن الاسلاميين وعن الحراكات، كان ثمة احساس بالخيبة مما حصل وما يحصل من حلول، وخوف مما ينتظرنا في المستقبل، واصرار على ضرورة الاصلاح والتغيير، وكان السؤال الذي تردد: ما العمل؟ وهل من سبيل الى خروج؟ هل الانتخابات هل الحل؟ او نذهب الى الاحكام العرفية؟ هل الازمة اقتصادية او سياسية؟ هل المطلوب هو تجديد سلوكيات الدولة او تجديد حيوية المجتمع؟ واختلفت –بالطبع- الاجابات كما اختلفت التنبؤات بما ينتظرنا من مفاجآت..
اشدّ ما ازعجني فيما سمعته سؤالان: سؤال القهر وسؤال الجوع، احساس اغلبية الشباب بالاحباط وانسداد ابواب المستقبل واحساس اغلبية الكبار “بغياب” الدولة.. كل هذا ولّد مزاجا عاما اختلط فيه الشك بالحيرة.. والحماس بالارتجال وانعدام الامل بانسداد الابواب والفرص..
سألت نفسي: من اوصلنا الى هذا “المأزق”؟ ولماذا عجزنا عن الخروج منه؟ وماذا ننتظر؟ الا يوجد في بلدنا “عقلاء” لكي يرشدونا الى الصواب؟
يا الهي الطف بهذا البلد..
الدستور