وثيقة زمزم مراجعة أم ثورة؟
سامح المحاريق
29-11-2012 01:25 AM
تسود روح التوافق والمسايرة داخل أي تنظيم سياسي في فترات الركود، حيث تكون حدود دور أي تنظيم أو حزب واضحة ومعروفة، بينما تتلاشى روح التوافق في فترات السيولة السياسية، حيث تلوح فرص كانت تصنف في خانة غير الممكن، وغير المتاح، وأي تنظيم ابتداء من الأحزاب الكبرى والشمولية، وحتى الأحزاب المجهرية، يضم في داخل صفوفه أنماطا من أصحاب الفعل السياسي، فهناك المتحفظ وهناك المغامر، وحتى المقامر، كما يوجد العنصر الملتزم والعقائدي بجانب المتلون والانتهازي، ولكن الأزمات عادة هي التي تجعل هذه التباينات تظهر وتسيطر، وتؤدي إلى تأزيم العلاقة داخل التنظيم، ففي مراحل السيولة التاريخية تكون عملية الفرز والانتقاء هي الفعل الأكثر حيوية داخل التنظيمات السياسية.
بوضع جماعة الإخوان المسلمين وذراعها السياسي حزب جبهة العمل الإسلامي تحت المجهر، وإسقاط الفرضيات السابقة عليه، فإن وثيقة زمزم التي أعلنت قبل فترة وجيزة كانت متوقعة، ولعل المؤشرات التي دللت على وجود تململ بين مجموعة واسعة من قيادات الإخوان وكوادرهم كانت تنبئ بوجود مراجعة سياسية ذات طابع أخلاقي ووطني في الأفق، وأتت استقالة القيادي بالجماعة ارحيل الغرايبة والتي أتبعت بما بدأ يعرف إعلاميا بوثيقة زمزم، لتكون بمثابة المراجعة الضرورية لمرحلة كاملة من الصراعات التي عصفت بالجماعة وبدأت تصدرها للمجتمع السياسي الأردني.
فالإخوان تصلبوا أمام محاولات الحوار، ويبدو أن أحدا في فريق الإخوان لم يكن يمتلك الرؤية الواضحة للشراكة في الإصلاح، بينما أخذت البعض أوهام القفز على موجة العصر الإخواني في المنطقة، وبذلك بات الإخوان يمثلون (الثلث المعطل) للإصلاح في الأردن، فالجميع يعرف بأن الإصلاح لا يمكن أن يتم بمجموعة من القرارات والقوانين التي تأتي خارج سياق التمثيل الشعبي والذي لا مناص من تمريره خلال مجلس النواب، وأتى حل المجلس الحالي، وإعداد قانون انتخابات جديد، وبغض النظر عن الموقف منه، ليكون طريقا للإصلاح، ولو لم تكن النية للإصلاح موجودة لجرت المماطلة والمد والترقيع في عمر مجلس النواب المنحل.
الإخوان المحاصرون من الداخل، حاولوا تطويق المجتمع وتعطيله، وكانوا يمثلون حالة من الانتظار السلبي، فعين على المنطقة ومجريات الربيع العربي، وعين أخرى على مكاسب وفرص محلية، وكان ضروريا على مجموعة من العقلاء والحكماء في داخل الحركة أن يكسروا هذه الحلقة المفرغة، وأن يطرحوا رؤية إصلاحية، فأتت وثيقة زمزم لتقدم رؤية تكميلية للمسار الإصلاحي.
تركز الوثيقة على إعادة الإخوان المسلمين إلى مشروعها الأردني، والابتعاد عن تفاعلات المنطقة والاحتمالات المرتبطة بها، ولعل ذلك ينسجم مع المزاج السياسي الشعبي والعام، حيث بات واضحا أن الأردن عليه أن يخلع أشواكه بيديه في هذه المرحلة، فالجميع منشغل بما يجري، والجميع لديه حساباته، والجميع أمامه فرص ومخاطر، والإخوان لا يمكنهم بجميع الأحوال أن يضعوا الأردن في مدارات أخرى، في الوقت الذي اختارت فيه الأردن أن تحتفظ باستقلالية قراراتها وتنحت جانبا عن فوضى المنطقة وتفاعلاتها.
الملامح الأولية للوثيقة/ المبادرة إيجابية، وتعني بقضايا وطنية قصيرة وبعيدة المدى، فمن ناحية تكرس أولوية البحث عن مخرج لحالة إنسداد الأفق السياسي محليا، والتي بات واضحا أنها ترجع للتعنت الإخواني خاصة بعد تحركات الفايز والعناني نحو البحث عن أرضية مشتركة لفتح الطريق أمام إعادة توظيف الموقف الإخواني على المستوى المحلي، وتحديدا مبادرة الفايز للصوت الثالث، كما أن الوثيقة تركز على حماية الأردن وحفظ أمنه واستقراره، وهو ما يمكن من قطع الطريق على محاولات الاستعراض والترهيب في الشارع، والتي ستنعكس سلبا على الأوضاع الأردنية في مختلف المجالات، وكذلك تعرض الوثيقة نوايا طيبة تتمثل في الالتفات لقطاعات الشباب والمرأة.
الوثيقة تحدد استراتيجية جديدة في العمل، ومن المرشح أن تجد صداها ضمن كوادر الجماعة وحزبها، وأن تشكل أداة ضغط مهمة على تيارات الصقور والحمائم معا، والمطلوب هو برنامج تكتيكي عاجل يشتمل على بنود واضحة وممكنة التطبيق، ويبدو أن ذلك سيكون بمثابة نقل الكرة إلى حكومة النسور، وهي تحتاج، من جانبها، أن تحصل على مبادرة معقولة وبناءة لتستثمرها في هذه الظروف المعقدة والحساسة.
تبقى كلمة، الإخوان في الأردن تنظيم تاريخي ويضم بطبيعة الحال جميع الأنماط السياسية، ويبدو أن إخوان الأردن بدأوا يدركون اليوم بؤس أن يقوموا باستيراد أفكار ومشاريع من خارج التنظيم، لأنهم يفتقدون للمبررات التاريخية التي تجعلهم في حالة خصومة دائمة مع المجتمع، كما أن تركيبة المجتمع الأردني، بمعناه الاجتماعي والسياسي، لا تسمح بهذه الوضعية الشاذة، وإعادة الفرز والانتقاء تتبدى كضرورة قصوى في التوقيت الراهن، ولو أنه يمكن أن يوصف بالوقت الضائع، ((تقريبا)).
الرأي