كل المصريين، باستثناء " الإخوان" و" السلفيين"، كانوا، أمس، حاضرين في ميدان التحرير؛ يساريين وناصريين وليبراليين وطنيين ونقابيين وعمالا وفلاحين وقضاة وصحافيين ومثقفين، مسلمين وأقباطا، شيوخ الأزهر الشريف وقساوسة الكنيسة، جاءوا لإسقاط الاخوان، رافعين، مجددا، رايات الثورة.
للاخوان أن يصفوا جموع الشعب المصري هذه، بما شاءوا من أوصاف التحقير، ولهم أن يستخدموا الشرطة والهراوات وقنابل الغاز والرصاص والبلطجية، ويفرضوا الرقابة على المنابر الإعلامية، ويتسلّحوا بالدعم الأميركي.. لكن كلّ ذلك لم يفد، من قبلهم، النظام المباركيّ، ولن يفيدهم؛ فالثورة مستمرة.
الثورة مستمرة؛ لأن أيا من أهدافها لم يتحقق. فالثورات لا تقوم لاستبدال حاكم بحاكم، وحزب متسلّط بآخر، ولوبي رجال أعمال بآخر، وإنما لإحلال نهج محل نهج. ومنذ 25 يناير 2011، لم يتزحزح نهج مبارك أنملة واحدة، وإنما تغيّرت الوجوه: حلّ الملياردير الإخوانيّ، خيرت الشاطر، محلّ الملياردير جمال مبارك، في إدارة الاقتصاد المصريّ لمصلحة المستثمرين الأجانب والخلايجة و رجال الأعمال ( أولئك الذين استعادوا وحدتهم، سريعا، مباركيين وإخوانا)، وتحت إشراف صندوق النقد الدولي، ووفقا لوصفته الشهيرة: إزالة الدعم عن الفقراء وزيادته للأغنياء ( على شكل تسهيلات واعفاءات ضريبية ونظام ضريبي تنازليّ).
الحفاظ على الامتيازات الطبقية للنخب الثرية والمتنفّذة، لا يمكن أن يمشي إلا بثلاث: التحالف مع الولايات المتحدة، والسلام مع إسرائيل، والاستبداد. وقد وصل النظام المباركي إلى هاوية الفشل في إدارة هذه المعادلة، ولم يعد قادرا على تضبيطها، فانهار تحت الثورة التي ركبها الإخوان، وقدموا أنفسهم كبديل مضمون لاستمرار معادلة الحكم ذاتها بثوب ديموقراطيّ، ولكن خمسة أشهر فقط في قصر عابدين، أوصلتهم إلى الحقيقة؛ لا يمكن إدارة اقتصاد غير عادل إلا بالاستبداد. لكن هيهات!
"الإخوان" و" السلفية" لا يشكلون أكثر من 30 بالمائة من المصريين، وقد انقضّوا، في غفلة من ثوّار ميدان التحرير، على البرلمان، ثم اصطدموا ـ خلال الانتخابات الرئاسية ـ بحجمهم الحقيقيّ؛ حينها ذهب مرسي إلى الميدان ووعد القوى الثورية، وعودا عديدة منها انتخابات برلمانية جديدة عادلة وحكومة وطنية وشراكة في الحكم وفي كتابة دستور لدولة مدنية تعددية ديموقراطية، ثم ما فتئ أن تخلّى عن وعوده كلها، واحدا بعد الآخر، وانتهى إلى أن منح نفسه صلاحيات الفرعون. ويبرر " الإخوان" هذه الصلاحيات بأنها مؤقتة ـ ولكن ... لكتابة دستور استبدادي دائم ـ ، ثم يبررونها بأنها لصالح " رئيس منتَخَب"! ولكن ما الفرق بين دكتاتور منتخب وآخر انقلابي؟ النازي هتلر لم يأت بانقلاب، بل عبر صناديق الاقتراع.. والفاشي موسوليني فاز بمنصبه، هو الآخر، بالانتخاب.
وأختم ـ حتى تكتمل الصورة ـ بما تقوله صحافة العدوّ عن مرسي. ناحوم برنياع، في صحيفة «يديعوت أحرونوت»، قال: إن " عملية غزة تمثل أول امتحان للعلاقات بين النظام الجديد في مصر واسرائيل"، وثبت أنهما "يجاريان معا الادارة الاميركية". ولفت برنياع الى أن الاستراتيجية الأميركية تهدف الى "بناء محور مكوّن من مصر وتركيا والدول الخليجية والسلطة وحماس ، في مواجهة المحور المتطرف الذي تمثّل إيران عمقه، ويهدف الى إسقاط نظام الأسد ".
أما ألوف بن، في " هآرتس"، فكتب أن "هدف اسرائيل الثاني من الحرب على غزة، كان فحص العلاقات بمصر في ظل قيادة الاخوان المسلمين". وخلص الى أن "الرئيس المصري أثبت لإسرائيل أنه يُفضّل المصالح على الايديولوجيا". وأضاف أن "مرسي ينوي إجراء اتصالات لاحقة بإسرائيل عبر قنوات خفية"، وكشف فضيحة "أن المندوب الاسرائيلي لمحادثات وقف اطلاق النار في القاهرة كان رئيس الموساد، لا مبعوثاً مدنياً".
سلطة رجال المال والأعمال والامتيازات وصندوق النقد الدولي والولايات المتحدة والخليج وإسرائيل والاستبداد والقمع، هي سلّة واحدة، بغض النظر عن يافطتها. لذلك؛ الثورة مستمرة .
ynoon1@yahoo.com
العرب اليوم