يصر ساسة ومسؤولون وحكوميون وبرلمانيون سابقون، وأحيانا إعلاميون،على التعامل مع ما يحدث من تحركات وإرهاصات وتعديلات، وفق نظرة ثنائية بين الحكومة والإخوان، ما ألقى ظلالا قاتمة على المشهد السياسي الأردني.
وأصرت حكومات على فتح حوارات، مخفيّة حينا ومعلنة حينا آخر، مع جماعة الإخوان، ونحن، جمهور المتابعين، قد لا نعرف ما يدور إلا عند فشل الحوار. ويمكن معرفة ذلك مع حملات التجييش التي تجري من كلا الطرفين. لكن حملات المحسوبين على الحكومات أغلبها يفتقد إلى الكياسة والبعد السياسي والأفق الواضح وبعد النظر، وأحيانا المعلومة الدقيقة، فيجرون إلى منطقة الشتم الذي هو أقرب إلى الردح، ما يجعل كفة الطرف الثاني (الإخوان) أرجح، فيظهرون للمتلقي أكثر إقناعا وقوة حجة.
الحكومات بشكل عام ارتضت بالثنائية مع الإخوان، فغيبت أطرافا أخرى طالبت بإصلاح سياسي واجتماعي وثقافي واقتصادي، وصورت الأمر وكأنه حكر على طرف معين، وأخذت تتعامل معه على ذلك الأساس. فباتت الحكومة بأجهزتها وأذرعها، ما ظهر منها وما بطن، وكأنها في مناظرة أو ساحة حرب مع طرف واحد هو جماعة الإخوان وذراعهم السياسية حزب جبهة العمل الإسلامي. فكنا نرى يافطات تطالب بإسقاطهم، ومظاهرات تذهب تجاه مقراتهم رفضا لما يطرحون، وشعارات ترفع ضد زعمائهم. وهذا كله يعود أحياناً بإيجابية على الحزب والجماعة، من حيث ظنت الحكومات المتعاقبة أن ذلك ينتقص من حضورهم.
فمن خلال ذلك باتت الجماعة في نظر متابعين ومراقبين وأناس عاديين، طرفا وحيدا في وجه الحكومات المتعاقبة. وهذا صورها وكأنها وحدها من يطالب بالإصلاح ومكافحة الفساد، وهذا بفعل الضخ الفاشل الذي اتبعته حكومات، وتطوع لنقدهم (الجماعة والحزب) أشخاص لا ثقة عند سواد الناس بكلامهم.
الثنائية بين الحكومات والإخوان أوجدت أصواتا حذرت من خطر مواصلة هذا النهج، وتلمست أثره على تركيبة الساحة الداخلية، وعلى الإصلاح بشكل عام، باعتباره (الإصلاح) لا يتم عبر الاستجابة لمطالب شريحة واحدة في المجتمع، وإنما من خلال التوافق مع كل مكونات المجتمع حول ضرورة وأهمية السير في الإصلاح، وإيمان الجميع أن الإصلاح يعني احترام الرأي والرأي الآخر، وتعظيم المواطنة، وتفعيل حق التعبير، وسيادة القانون، وسن قانون انتخاب يرضي سواد الناس.
الوزير الأسبق مروان المعشر تحدث عن الخيار الثالث، ووضع حلولا وتوصيفات لآلية الخروج من عنق الزجاجة، وقدم رؤية واضحة المعالم يجب عدم إدارة الظهر لها، وإنما دراستها بعين فاحصة والوقوف عندها.
تحدث في النقطة عينها التيار اليساري، وخاصة أحزاب "الشيوعي" و"حشد" و"الوحدة الشعبية"، فضلا عن تيارات يسارية أخرى أصدرت مؤخرا بيانا في هذا الخصوص، وفي كلامها نقاط تستوجب التوقف والتفكير فيها، وفتح حوار جدي للوصول إلى نتائج إيجابية.لماذا لا تفكر الحكومة فيما يقال؟ فما الضير في أن نصل ببلدنا إلى تحول ديمقراطى إصلاحي حقيقي وليس ديكوريا، ودولة مدنية وعدالة اجتماعية، وقوانين نافذة تضمن الحريات العامة والشخصية ودولة قانون، وانتخابات نزيهة، ومؤسسات دولة متوازنة؟بقاء ثنائية الحكومة والإخوان لن يعود على البلاد والعباد بإصلاحات حقيقية، عمادها دولة مدنية أساسها العدل وتكافؤ الفرص وتعزيز المواطنة، وإنما سينتج عن هذه الثنائية تفاهمات، قد تحدث بعد يوم، أو بعد سنة أو اثنتين، وبالتالي يكون إصلاحنا المنشود دُفن وقرئت عليه الفاتحة.لا نريد الوصول إلى تلك المرحلة، لا نريد أن تبقى تلك الثنائية التي تعود على البلاد بمزيد من الاحتقان والتأزيم قائمة، وإنما نريد الوصول إلى مرحلة إصلاح حقيقية وليست ديكورية ترضي الناس وتعزز ثقتهم بمؤسسات الدولة وأجهزتها.الثقة بين الحكومة والمواطن تكاد تكون معدومة وهذا واضح. ولهذا، فإن الحكومات، وقبل أن تدخل في مناظرات لا تجدي نفعا مع طرف في الساحة، عليها إعادة الثقة بينها وبين الناس، والتفكير في ما يُطرح، أو ما يمكن أن نطلق عليه الطريق الثالث.
الغد