حتر: الدولة الوطنية الأردنية بحاجة لتجديد شامل لمواجهة التحدي الوجودي
27-11-2012 10:25 PM
عمون - قال الناشط السياسي ناهض حتر إن احد أهداف الدعوة إلى تأسيس حزب التحرر الاجتماعي الوطني الأردني تحت التأسيس هو "النضال ضد مؤسسة الفساد والتوافق على قانون انتخابي، وتعديلات دستورية، لكن ليس لخدمة جهة تسعى للاستئثار بالسلطة".
وعزا حتر، في مقابلة أجراها معه مركز هوية ضمن مشروع ينفذ بالتعاون مع مؤسسة "فريدريش آيبرت" و"الغد"، غياب الحزب عن الفعاليات الميدانية الاحتجاجية في الشارع لتحفظه على "وجود مخطط يسعى لتدمير البنى الوطنية القائمة، مع تحول الربيع العربي إلى شتاء عاصف من الفوضى"، بحسب رأيه.
واعتبر ان نشطاء الحركة "يدركون بأن الدولة الأردنية هي "مكتسب تاريخي للشعب الأردني؛ لا يمكن التفريط به في مشروع الفوضى الهادفة إلى تقويض الكيان الأردني، كما هو مخطط لدى بعض القوى المحلية والإقليمية والدولية".
وفي الإطار، اعتبر حتر أن ما يجري في البلاد من تجاذبات سياسية هو نتيجة "عودة حالة الاستقطاب بين جماعة الإخوان المسلمين وطبقة "كمبرادورية" اقتصادية وسياسية مسيطرة، تواجه خيار الأردنيين القائل بدولة القطاع العام الديمقراطية، وتعرقل قيام التحالف الوطني لتجديد الدولة الأردنية".
أما عن أولويات "تجديد الدولة الأردنية" ، فأجملَها حتر "في ضرورة تنمية المحافظات، ومعالجة "أزمة الهوية الوطنية الأردنية"، إضافة إلى معالجة قضايا الفساد والخصخصة".
وفيما يخص قضية الهوية الوطنية، دعا حتر إلى إخضاع المواطنة لسيادة القانون من خلال قانون جنسية جديد يتضمن تعليمات فك الارتباط مع الضفة الغربية لسنة 1988، وإجراء التعديلات القانونية المنسجمة مع قرار فك الارتباط، بما في ذلك قوانين النقابات المهنية.
وفيما يلي نص الحوار.
• حزب التحرر الوطني الاجتماعي.. لماذا؟
- في العام 2010، تشكلت شبكة من المناضلين، اهتمت بمتابعة وتعضيد حركة العمال ـ خصوصا عمال المياومة وعمال القطاع العام والشركات المخصخصة ـ وحركة المعلمين وحركة المتقاعدين العسكريين وسواها من الحركات الاجتماعية السياسية الجديدة. استقبلناها منذ البداية بالترحاب ومنحناها دعمنا ونشطنا في عدد من المحافظات. كان ذلك لقاء فكريا سياسيا بين مثقفين ونشطاء شباب وبين قوى اجتماعية وشعبية تبحث عن أفق جديد. بدأنا بقوة في العام 2010، كان الميدان خاليا أو للدقة مليئا بقوى قديمة، ووجدنا أن الوقت قد حان لتجديد الحركة الوطنية الأردنية من منظور حركة التحرر الوطني الاجتماعي، أي من خلال الربط بين القضية الوطنية والقضية الاجتماعية اللتين ظلتا في الاردن منفصلتين، وكان لدينا فكرة وإرادة الجمع بين الدفاع عن الوطن وهويته واستقلاله وعروبته وبين الدفاع عن الفئات الشعبية، وحقها في التعليم والعمل والسكن والصحة والفرص.
في العام 2011، ساهمت شبكتنا في اطلاق الحراك الشعبي ميدانيا في عدة مواقع والتنظير له على المستوى الوطني، والسعي الى تحويله إلى حركة وطنية. وأحرزنا نجاحات في هذا الخط قبل أن تتصاعد التأثيرات الإخوانية الليبرالية مع نهاية 2011، ونجاحها النسبي في تحويل قضية الحراك من النضال ضد مؤسسة الفساد واسقاط الخصخصة ونهج اقتصاد السوق والتأسيس لاقتصاد عادل وديموقراطية اجتماعية، إلى قضية نظام انتخابي عادل وتعديلات دستورية. طبعا، نحن نريد نظام انتخاب ديموقراطيا ونريد تعديلات دستورية، لكننا نريدهما بالتوافق الوطني وليس لخدمة جهة سياسية تريد الاستئثار بالسلطة. وبالأساس، هذه، في ظروف الأردن، القضية رقم 2، ليست القضية الجوهرية وينبغي أن تدار بالحكمة لأنها تقسم المجتمع وتشل الحركة. الاجماع الشعبي ـ كما أثبتت أدبيات الحراك ـ ينبني على قضية أخرى هي قضية استئصال الفساد ومراجعة الخصخصة واستعادة القطاع العام.
حزب التحرر الوطني الاجتماعي جاء لكي يؤطّر نضالات الشبكة الميدانية التي عملت في هذا الاتجاه مدة ثلاث سنوات منذ نهاية 2009، والحزب هو علامة على ميلاد وترسخ رؤية من ثلاثة أقانيم:
الوطنية الأردنية، الديموقراطية الاجتماعية، الحرية الثقافية.
• لكن من الملاحظ أن مجموعة حزب التحرر، نأت بنفسها عن الفعاليات السياسية الجماهيرية مؤخرا؟
- في غير بلد عربي؛ تحوّل الربيع الديمقراطي المنتَظر إلى شتاء عاصف من الفوضى المعادية للدولة والمنسجمة مع مخططات دولية وإقليمية، تهدف إلى تدمير البنى الوطنية القائمة، وتفتيتها طائفياً ومذهبياً واثنيّاً وجهوياً الخ، في سياق رسم خريطة جديدة للمشرق العربي. وعلى هذه الخلفية، يزداد إدراك نشطاء الحركة الوطنية الاجتماعية الأردنية أن دولتهم الوطنية هي مكتسب تاريخي للشعب الأردني؛ لا يمكن التفريط به في مشروع الفوضى الهادفة إلى تقويض الكيان الأردني، كما هو مخطط لدى بعض القوى المحلية والإقليمية والدولية.
الدولة الوطنية والجيش الوطني خط أحمر عند الوطنيين الأردنيين؛ فمن دونهما لا توجد ـ ولا يمكن أن توجد ـ ديمقراطية، ولا ديمقراطية اجتماعية ولا مقاومة للمشاريع الاستعمارية والصهيونية. من دونهما سوف نعود القهقرى إلى ما قبل الدولة.
• هل تعتقدون بأن هناك مخططات معادية للدولة تتبناها قوى داخلية؟
-لا أتحدث عن مؤامرة، بل عن مسار موضوعي. تحول الصراع السياسي في البلاد مجددا إلى استقطاب ثنائي بين فريقين، الإخوان الملتزمين رؤية ومشروعا اخوانيا على المستوى الاقليمي يذهب نحو إنشاء دكتاتوريات جديدة أو نحو الفوضى والعنف كما نرى في سورية، الفريق الثاني هو الطبقة الكمبرادورية الاقتصادية والسياسية المسيطرة والتي تواجه خيار الأردنيين، القائل بدولة القطاع العام الديمقراطية، وتعرقل، بالتالي، قيام التحالف الوطني لتجديد الدولة.
• تجديد الدولة؟
-ما تزال الدولة الوطنية الأردنية، بكل إنجازاتها وإخفاقاتها، صامدة وتمتلك إمكانيات البقاء والتقدم. غير أنها تحتاج اليوم إلى عملية تجديد شاملة، تسمح لها بمواجهة التحدي الكياني، وتمنح الأردنيين الكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية، في ظل مشروع تنموي وطني ودولة قوية وفعالة وقادرة، بالتالي، على تنظيم الدفاع، كما على تزويد المواطنين بالخدمات العامة في أشمل وأعلى مستوى.
نحن حزب طليعي لكننا نقترح على القوى الاجتماعية الوطنية رؤية جبهوية لتجديد الدولة الأردنية من منطلقات أساسية هي: سيادة الدستور نصا وممارسة، وسيادة والقانون، والمحافظة على المؤسسات الدستورية وتأكيد استقلاليتها، وتعزيز القدرات الدفاعية والتسليحية والفنية والبشرية للجيش العربي الأردني، وتطوير القدرات الأمنية المهنية الأردنية للحفاظ على أمن الأردن واستقراره وحفظ كرامة المواطن وحقوق الإنسان، تحقيق الاستقلال السياسي والمالي، صون مبادئ الحرية والوحدة والمساواة والعدالة الاجتماعية.
• ما هي أولويات تجديد الدولة؟
- يتطلب الشروع في تجديد الدولة، ابتداءً، وعلى المدى القريب، معالجة بعض القضايا ذات الأولوية، بما يساهم في استعادة الثقة بالدولة ويعزز الأمن الوطني.
أوّلاً، تنمية المحافظات:
أ ـ زيادة مخصصات صندوق المحافظات بصورة مؤثرة، لتمويل خطة تنموية إنقاذية في المحافظات، تأخذ بالاعتبار رؤية أبنائها واحتياجاتهم وخلق فرص العمل ودعم المشروعات الصغيرة في أسرع وقت ممكن.
ب ـ الشروع في عملية سياسية فعالة في صفوف شباب المحافظات لاجتذابهم إلى العملية التنموية والاندراج في المؤسسية السياسية، بما ينأى بهم عن التطرف بكل أشكاله.
ثانياً، الهوية الوطنية والمواطنة:
أ ـ تعريف الهوية الوطنية في سياق واقعها المجتمعي الثقافي التاريخي، وليس على أساس المشاريع السياسية الاستعمارية او سواها.
ب ـ إخضاع المواطنة لسيادة القانون من خلال قانون جنسية جديد يتضمن تعليمات فك الارتباط مع الضفة الغربية لسنة 1988
ج ـ إجراء التعديلات القانونية المنسجمة مع قرار فك الارتباط، بما في ذلك قوانين النقابات المهنية.
ثالثاً، قضايا الفساد والخصخصة:
أ ـ إحالة جميع الملفات المشتبه بالفساد فيها إلى القضاء، للبت فيها، في سياق محاكمات شاملة ومتزامنة.
ب ـ إجراء مراجعة شاملة لنهج الخصخصة، والعمل على تجاوز هذا النهج بكل الوسائل القانونية الممكنة وابتكار أساليب ووسائل لإعادة ضبط عمل الشركات العامة الكبرى التي تمت خصخصتها، وخاصة في مجال التعدين، بما يضمن تحصينها من الفساد وتحقيق أعلى موارد مالية ممكنة للخزينة، ولا بد أن يجري العمل، بوسائل استثمارية، على زيادة نسب الملكية الحكومية في الشركات الكبرى، وأحيانا إعادة تأميمها كما تلزم الضرورة في شركة توليد الكهرباء التي تحقق أرباحا على حساب الدعم أو المواطن والاقتصاد في مجال يعاني الاردن من اعبائه معاناة شديدة.
• ماذا عن رفع الدعم، البطالة والفقر، العجز والمديونية؟
- تواجه الدولة اليوم، أزمة في المالية العامة، هي الأخطر منذ تأسيسها. وذلك لأنها أزمة النموذج القائم على تغطية الفجوة المالية بالمساعدات الخارجية. ولا تعود خطورة هذه الأزمة إلى الاستعصاء الراهن في الحصول على مساعدات، وإنما إلى أن تنامي الفجوة التمويلية للموازنات العامة، وصلت إلى حد لا يمكن معه سدّها بالمساعدات، بينما سدّها بالاستدانة من شأنه أن يفاقم العجز نظراً لتزايد حجم خدمة الدين العام الذي وصل إلى مستويات خطرة، وسوف يتخطى، إذا لم تجر عملية إصلاح اقتصادي شاملة، إلى حاجز الناتج المحلي الإجمالي، مما ينقل البلاد إلى وضع متدهور.
تفاقم الأزمة المالية يشلّ الدولة عن القيام بدورها في التنمية والخدمات، ويعمّق إفقار المحافظات، بينما تتراجع نسبة النموّ اللازمة للسيطرة على المديونية، ويزداد العجز التجاري لصالح الاستيراد، بصورة غير مسبوقة، ما يخفّض أثر المكون الداخلي لأسعار السلع والخدمات، ويضع المواطن في معادلة خانقة، حيث يحصل على دخله بالمعايير المحلية، ويدفع فاتورة احتياجاته من السلع والخدمات بأسعار عالمية. نحن نقع، إذن، أسرى دائرة مغلقة ستقودنا إلى كارثة محققة إذا لم نسارع إلى تجديد النظرة إلى المنهجية المالية والاقتصادية والاجتماعية السائدة الآن، نحو عملية إصلاحية وطنية تحقق ثلاثة أهداف متلازمة، هي: تحقيق الاستقلال المالي وإنهاء الحاجة إلى المساعدات الخارجية، وتحقيق القفزة التنموية، أي إنشاء السياق القادر على تفعيل الموارد الطبيعية والبشرية والأفضليات المحلية في إطار خطط تنموية تعتمد على الذات واستراتيجية التوسع في التشغيل وزيادة الإنتاجية، وتحقيق العدالة الاجتماعية، أي إعادة توزيع الثروة من خلال الموازنة العامة من خلال الراتب الاجتماعي وتمويل المشاريع الصغيرة وشمولية وعلوّ مستوى الخدمات العامة.
يرتبط خفض النفقات العامة بالعدالة الاجتماعية ـ وليس العكس ـ من خلال استئصال الفساد ووقف الهدر ووقف مشاريع البُنى التحتية غير اللازمة للتنمية ومَرْكَزَة الخدمات العامة وتفعيل الإدارات وزيادة إنتاجيتها، واحلال الراتب الاجتماعي (الراتب المحسوب على أساس المعادلة المتحركة لتكاليف سلة العيش) محل الدعم الذي تفيد منه الفئات الأكثر استهلاكا أي الفئات الثرية والسياح والمقيمون غير الأردنيين.
وتقوم خطتنا على خفض النفقات العامة على الأسس التالية:
1ـ إلغاء كل أشكال الدعم للسلع والخدمات، بمقابل إعادة هيكلة رواتب الموظفين والمتقاعدين في الجهازين الحكومي والعسكري، على أساس حدّ أدنى اجتماعي؛ يأخذ بالاعتبار سلة العيش الكريم. وبالنسبة للعاملين في القطاع الخاص، تدعم الدولة النقابات العمالية لتحصيل حقوق أعضائها من أرباب العمل، على أن يقترن ذلك بمنح العمالة الوافدة كافّة الحقوق التي للعامل الأردني ما يرفع كلفتها ويضطر أرباب العمل للاستغناء عنها،
2ـ خفض استهلاك المحروقات من خلال إنشاء نظام مواصلات وطني، شامل وكفؤ، داخل المحافظات وفيما بينها، على أن يكون نظام المواصلات هذا تابعاً للقطاع العام وتسعّر خدماته بالكلفة،
3 ـ وقف كل مشاريع البنى التحتية ـ ما عدا الصيانة ـ لفترة تحددها الاحتياجات التنموية الفعلية،
4ـ تفكيك المؤسسات المستقلة غير الضرورية ووقف نظام العقود في القطاع العام،
5 ـ وقف الهدر المالي بكل أشكاله ـ وبند "أخرى" في الموازنة ـ والإنفاق الترفي الخ، من خلال نظام صارم للرقابة المركزية، بما يجفف منابع الفساد،
6 ـ تحسين إنتاجية وكفاءة المؤسسات الخدمية في الصحة والتعليم وتركيزها على الخدمة والجودة وليس على الإدارة والمشتريات والأبنية الخ،
7ـ هيكلة أسعار الكهرباء والماء وفق معيار الحد الأدنى للمحافظات المفقرة، على أن يشمل ذلك معيار حجم الاستهلاك.
وبالمقابل، نقترح زيادة الإيرادات من خلال ما يلي:
1 ـ تعزيز قدرة الدولة على الاستفادة من القطاعات الاستراتيجية (التعدين والاتصالات والنقل والطاقة). وذلك وفق معايير التوسع الاستثماري ومنع الاحتكار وزيادة الرسوم والعوائد وضبط العمليات الإنتاجية ومنع الفساد والتوصل إلى استراتيجية اعادة بناء القطاع العام الاقتصادي الخ،
2 ـ هيكلة النظام الضريبي على أسس تصاعدية جذرية.
3ـ تفعيل وتحسين وشمولية التحصيل الضريبي،
4 ـ تصاعدية الرسوم في شتى المجالات، وفقاً للحجم والقيمة والمنفعة والمكان،
5 ـ وقف سياسة الإعفاءات وتحصيل حقوق الخزينة من كل المشاريع والاستثمارات.
• يعني لديكم هنا برنامج متكامل؟
- لا. ما سبق خطة إنقاذية. هذه السياسات والإجراءات وسواها، لا تحلّ المعضلة الاقتصادية والمالية، ما لم نستطع تحقيق القفزة التنموية. والقفزة التنموية تعني التوصل في غضون خطة خمسية إلى مضاعفة نسبة النمو والتشغيل (للأيدي العاملة المحلية) والإنتاجية.
وذلك ممكن التحقيق من خلال أولوية الاعتماد على الموارد المحلية لزيادة نسبة القيمة المضافة المحلية، والأفضليات المحلية لتعزيز التنافسية، وأولوية الاعتماد على الخبرات والمهارات المحلية، وأولوية الاعتماد على الاستثمارات المحلية المتعاضدة (المكملة لبعضها بعضا).
وتفرض هذه الأولويات السير في أربعة خطوط تنموية هي:
أولا ـ توسيع وتكثيف النشاطات الاستخراجية والصناعات النوعية المرتبطة بها وتخفيض نسب تصدير الخام. وهذا هو المجال الذي يمكن فتحه للاستثمارات الأجنبية،
ثانيا ـ التركيز على إحداث قفزة نوعية في ثلاثة مجالات زراعية ـ صناعية هي زيت الزيتون، والكرمة ومنتجاتها، والمواشي والحليب والدواجن عبر تركيز الدعم التنموي في المحافظات على المستثمرين المتوسطين والصغار والتعاونيات وهيكلة قسم من الزراعة المروية لإنتاج الأعلاف، وجذب الاستثمارات في مجال تصنيع الزيوت والكرمة واللحوم والألبان وفق أسس تنافسية،
ثالثا- توفير الدعم المالي والإداري للمؤسسات الصغيرة والتعاونيات في مجال النشاط السياحي والخدمي،
رابعا - توفير التمويل اللازم لمشاريع تستقطب النساء إلى سوق العمل.
• كيف تنظرون على هذه الخلفية إلى مشكلة التعليم؟
- تحوّل التعليم الثانوي والجامعي إلى عبء اقتصادي على الدولة والمجتمع، أولاً، بسبب تدني كفاءته وارتفاع تكاليفه، وثانياً، بسبب انفصاله عن الاحتياجات الاقتصادية، وتالياً تعطيله لقسم أساسي من قوة العمل المؤهلة بصورة سيئة لوظائف غير متوفرة وغير مؤهلة لشغل فرص العمل القائمة فعلياً.
الخروج من هذا المأزق، يقتضي الفصل بين ثلاثة مستويات في التعليم والتأهيل هي:
1ـ تعليم ثانوي عام ذو نوعية عالية غير مرتبط بالدراسة الجامعية ولا التخصصات، يؤهل الدارسين لكي يكونوا مواطنين متحصلين على الحد اللازم من الثقافة الحديثة وخبرات الحياة.
2 ـ تأهيل مهني مرتبط مباشرة بالاحتياجات الإنتاجية،
3 ـ تعليم جامعي تخصصي رفيع المستوى يقوم على منح الفرصة للجميع من خلال القبول لسنة تحضيرية متاحة لخريجي الثانوية العامة من دون استثناء، تنتهي بامتحانات شديدة النوعية تحدّد القادرين، من حيث مستوى الذكاء والقابلية والجدية، على الالتحاق بالدراسة الجامعية.
• تربطون بين النظام التعليمي القائم ومشكلة البطالة؟
-طبعا، لكن قوة العمل الأردنية تعاني اليوم من مشكلات جوهرية تتمثل في ضعف التأهيل، وضعف الإنتاجية، والبطالة الهيكلية وإحجام الأردنيين عن العمل في مجالات إنتاجية وخدمية عديدة. ويتطلب التغلّب على هذه المشكلات، ما يلي:
1ـ إطلاق حرية العمل النقابي ودعمه لتنظيم العاملين، ليس فقط من الزاوية المطلبية، بل من زاوية الولاء للمهنة ورفع مستوى الأداء والالتزام بالسلوكيات المهنية أيضا،
2ـ إطلاق برامج مكثفة وحيوية ومختصرة وضمن أوقات العمل، لإعادة التأهيل بصورة منتظمة،
3ـ ربط الحوافز بالإنتاجية،
4ـ التغلّب على ثقافة رفض العمل اليدوي من خلال تحويله إلى وظيفة في شركات تزويد بالعمالة في المجالات الكثيفة الطلب، على أن يكون العامل موظفا دائما لدى الشركة بكافة الحقوق الوظيفية.
ثقافة الأردني تتجه به إلى طلب الوظيفة العامة المؤمنة. وبدلا من أن نقنعه بالعكس، علينا ان نعطيه هذه الوظيفة ثم نؤهله مهنيا ونرسله للعمل الميداني. ويمكن للقوات المسلحة أن تساهم بهذه العملية من خلال استعادة خدمة العلم واعادة تنظيمها على اسس إنتاجية.
• كيف تنظر الى سؤال الثقافة في ضوء ما سبق؟
- المشكلة الرئيسية التي يعانيها المجال الثقافي الأردني، تكمن فيما يلي:
1ـ الفجوة الحاصلة بين هوية البلد الثقافية الوطنية وبين الأنشطة الثقافية المختلفة (الدراما والمسرح والأغنية والأدب والتلفزيون والتأليف البحثي في الإنسانيات والكتابة الخ) وتُدار هذه الأنشطة، على العموم، وفق مؤثرات أجندات سياسية وتجارية لا وطنية،
1 ـ الفوضى الحاصلة في الثقافة المجتمعية بين عدة مؤثرات وأنماط مختلفة ومتعارضة. ولا يدخل ذلك في باب التعددية الفكرية والسياسية المحمودة أصلاً، بل في باب التناقضات في النظرة إلى العالم والمحتوى السلوكي والعلاقات والآداب المجتمعية الخ،
3ـ الفوضى الحاصلة في وسيلة الاتصال المجتمعي الرئيسية وهي اللهجة، حيث تسود في المدن لهجات هجينة ممزوجة باللغات الأجنبيّة. إن وحدة المرجعية الثقافية لأي مجتمع تتحدد باللغة، مكتوبة ومحكية.
4 ـ غياب النساء عن الفضاء الثقافي والسياسي. وهو ما ينعكس في التربية المنزلية الفوضوية التعدد غير المنسجم مع وحدة الكل الوطني.
وقد ردّ المكون الرئيسي في المجتمع والدولة على تلك الفوضى باستحضار العشائرية المُعاد إنتاجها في ظل ثقافة استهلاكية، كعصبيات تعبّر عن نفسها بالانغلاق والعنف.
لا تنمية وطنية من دون ثقافة وطنية. ولذلك، تغدو مهمة تجديد الثقافة الوطنية أساسية في مشروع تجديد الدولة في كل المناحي، وليست مجرد نشاط ترفي. وخطتنا في هذا الصدد كالتالي:
1ـ حفز الأنشطة الثقافية المرتبطة بالمشروع الوطني،
2 ـ حفز النساء على المشاركة الكثيفة في الفضاء العام، بما يخلق المواءمة اللازمة بين قيم التربية المنزلية وهوية الدولة وقيم المجتمع،
3ـ توحيد الذاكرة الوطنية من خلال تدريس تاريخ المجتمع الأردني والحركة الوطنية والأدبية في التعليم العام والثانوي،
4 ـ الاستثمار الوطني في الإنتاج الدرامي والتلفزيوني والإذاعي والموسيقي الخ بما يدعم وحدة الذاكرة الوطنية ووحدة المجتمع ووحدة الثقافة السلوكية ووحدة اللهجة الخ،
5 ـ دعم قيام مدرسة في مجال التاريخ الاجتماعي والدراسات الأردنية،
6ـ تثقيف الأجيال الجديدة بالقيم الإيجابية للعشائرية مثل المساواتية والتعاون والحس بالعدالة والنخوة الاجتماعية والوطنية الخ من خلال المنتجات الإبداعية والبرامج والمنظمات الشبابية ومعسكرات العمل الصيفي الخ،
7ـ إعادة خدمة العلم، وللذكور والإناث، لمدة سنة واحدة قبل الدراسة الجامعية، وفي إطار برنامج لتوحيد الثقافة والقيم المجتمعية ومحتوى السلوك واللهجة، والعمل التطوعي والوطنية الخ.
• أرى أولوياتك اقتصادية واجتماعية وثقافية.. أنك تبتعد حتى الآن عن المجال السياسي؟
-لا. نحن لا نفصل بين القضايا ولكننا، بالعكس، نحاول كشف الترابط بينها. برنامجنا يقوم على تجديد النظام السياسي الاردني تجديدا شاملا. وهو ما يتطلب، أولاً، استعادة وتعزيز الالتزام الحرفي بالدستور الأردني، نصا وروحا، وثانياً، بالفصل بين السلطات والاحترام الكامل لصلاحية الهيئات الدستورية، وثالثاً، بشمولية سيادة القانون.
وعلى هذه الخلفية، فإن النقطة المركزية في تجديد النظام السياسي الأردني هي التطبيق غير الملتبس لمبدأ الولاية العامة لمجلس الوزراء، بما في ذلك تحمّله كامل المسؤولية إزاء السياسات والقرارات ونتائجها في التزام صريح من قبل كل الأطراف.
والأساس في تعزيز هذا المبدأ هو تشكيل الحكومات البرلمانية التي تستند ليس فقط إلى الثقة البرلمانية وإنما أيضا إلى المشاورات النيابية الملزمة سواء لجهة تسمية رئيس الوزراء أم لجهة تسمية التشكيلة الوزارية. وهو ما سيقود إلى حكومات سياسية برامجية، يمكن محاسبتها بدقة عن فترة ولايتها التي تنتهي، فقط، لدى سحب الثقة البرلمانية منها. ولا بد من التأكيد، هنا، أن الحكومات البرلمانية بالنسبة لظروف البلد المعقدة لجهة الانقسامات الديموغرافية، ليست حكومات أغلبية حزبية بل حكومات تمثل التوافق البرلماني.
تنشأ عن ذلك :
1ـ ضرورة إعادة النظر في طبيعة وصلاحيات مناصب الأمناء العامين للوزارات، بوصفهم أعضاء الحكومة الدائمة، المهنيين غير المسيّسين وغير المعرّضين للقرارات العشوائية في التعيين والتنحية،
2 ـ تفعيل وزارة الدفاع وشغل المنصب من قبل وزير مختص،
3 ـ اخضاع وزارة الخارجية للحكومة، وتغيير تركيبتها المنغلقة عن المجتمع الأردني وتياراته،
4 ـ التوصل إلى نظام انتخاب توافقي والالتزام السياسي والأخلاقي بنزاهة الانتخابات العامة والبلدية،
5 ـ تجديد النُخب السياسية والإدارية ووقف عملية التدوير في المناصب والفصل بين النخب السياسية والإدارية وبينهما وبين النخب الاقتصادية،
6 ـ انتخاب مجالس المحافظات، وإناطة إدارة وصلاحيات العملية التنموية والتطوير المحلي بها، في إطار معطيات ومؤشرات الخطة المركزية،
7 ـ إصدار (قانون من أين لك هذا؟) وتفويض قاض مختص بقضايا الفساد لدى النيابات العامة،
8 – إحياء وزارة الاعلام وتطويرها، واعتبار وزارة الثقافة وزارة سيادية! وتخصيص الاموال اللازمة لقيامها بمهمات الانتاج الثقافي والنشر وتطوير ودعم المنتديات الثقافية،
9ـ تجديد السياسة الخارجية:
تعاني السياسة الخارجية الأردنية من الجمود في الخيارات والحركة والتثبت عند رؤية ومنطلقات أصبحت فائتة. إن العالم يتجه اليوم نحو تعددية قطبية غير أيديولوجية مبنية على المصالح الواقعية. وينبغي أن تستجيب السياسة الخارجية الأردنية للتحولات الحاصلة في الإقليم والعالم من خلال بناء علاقات متوازنة مع الأقطاب، وخصوصا لجهة تعزيز العلاقات الثنائية المتعددة الأشكال سياسيا واقتصاديا وثقافيا، مع دول الهلال الخصيب وروسيا والصين، والتوصل بصورة عامة إلى مقاربات جديدة للعلاقة مع الدول والمجتمعات والقوى الإقليمية والعربية، على أساس التوازن والانفتاح والبحث عن الفرص بمعزل عن قيود حقبة القطب الواحد. ومن الواضح أن تجديد السياسة الخارجية يرتبط بتحقيق الاستقلال السياسي والمالي الذي يتحقق بتنفيذ برنامج تجديد الدولة الأردنية.
• وماذا عن الموقف من إسرائيل ووادي عربة والقضية الفلسطينية؟
- إسرائيل هي العدو الرئيسي للوطنية الأردنية. وهي عدو ميداني يهدد البلد في أمنه وكيانه. ولذلك نطالب ببناء استراتيجية دفاعية تكون قادرة على لجم الإسرائيليين.
معاهدة وادي عربة ماتت. في الأساس قدم الجانب الأردني في وادي عربة تنازلات جسيمة في ثلاثة مجالات، الأرض والمياه واللاجئين. وكان المسوّغ الوحيد لتقديم تلك التنازلات هو تأمين تراجع إسرائيل عن مشروع الوطن البديل. هذه هي بالضبط معاهدة وادي عربة: تنازلات أردنية جسيمة مقابل شطب مشروع الوطن البديل. ومن المفهوم أن هذا المشروع لا يسقط إلا بقيام الدولة الفلسطينية المستقلة وتطبيق حق العودة ولو جزئيا. الآن أصبح واضحا أنه لا دولة فلسطينية ولا حق عودة في الافق، بل إن الخطة الآن هي تنفيذ الوطن البديل من خلال فدرالية أو كونفدرالية بين الأردن وبقايا الضفة وسكانها تحت الاشتراطات الإسرائيلية. وادي عربة ماتت. وعلينا أن ندفنها.
يدفع الشعب الفلسطيني وقضيته ثمن الانفصال بين الضفة وغزة، بين السلطة وحماس، لكن الاردن هو المتضرر الرئيسي من ذلك الانفصال. اليوم حماس مدعومة من قطر وتركيا تسعى لبناء امارة مستقلة في غزة تغدو هي المركز السياسي الفلسطيني. على الفور وضعت الضفة الغربية في المزاد، انسحاب احادي من مناطق الكثافة السكانية في الضفة لصالح حماس او اتفاق بهذا الشأن مع السلطة في دولة مؤقتة. في الحالتين، سيتم إلقاء أعباء الاحتلال على الأردن. وسنقاوم هذه الخطط. ولكن جبهتنا الداخلية هشة، ولذلك نريد الاسراع في تطبيق البرنامج الإنقاذي الذي فصلناه في مطلع هذا الحديث.
موازين القوى الحالية لا تسمح بشعار التحرير بينما إقامة الدولة المستقلة بالمفاوضات وَهْم؛ الشعار الفعلي هو منع التهجير والصمود والمقاومة.
• أخيرا، ما هو موقفكم من الأزمة السورية؟
-في سورية حرب إمبريالية خليجية رجعية ضد الدولة والمجتمع، ضد سورية وموقعها الجيوسياسي في مواجهة الصهيونية، ضد العروبة والعلمانية. لقد سرقت الجماعات المسلحة والارهابية، الحراك الشعبي الديمقراطي السوري، لصالح الاجندة الاميركية الاسرائيلية في إضعاف قدرات الجيش السوري، ولصالح الاجندة العثمانية التوسعية، ولصالح الاجندة الخليجية في فرض الوهابية والتصحر الحضاري على الهلال الخصيب، وتدميره بالصراع السني الشيعي، ولصالح الإرهاب الذي بدأ يتسلل الى بلدنا.
لقد رأينا كل ذلك مبكرا وحذرنا من نتائجه. ونؤكد اليوم أن ما يجري في سورية ليس ثورة وانما حرب إمبريالية تُدار بالوكالة. ولذلك نحن نقف مع الجيش العربي السوري الذي يخوض هذه الحرب دفاعا عن الدولة والمجتمع. ونرى في الوقت نفسه أن حل الازمة السورية داخلي وعلى أساس وقف العنف وإطلاق الحوار الوطني والتوافق على انتخابات حرة في المدى المنظور.
نحن مع سورية ديمقراطية ولكن مع سورية العربية العلمانية المعادية للإمبريالية والصهيونية.
عن الغد