صُدمت مصر بإعلان دستوري من الرئيس محمد مرسي، يمنح فيه نفسه سلطات مطلقة غير قابلة للطعن، ولا يحق الاعتراض عليها أمام القضاء. فإذا أضفنا إلى ذلك غياب السلطة التشريعية (مجلس الشعب) في هذه المرحلة، يكون مرسي سلطانا مطلقا أو فرعونا جديدا، وفق وصف المعارضة المصرية.
وحسب نص الإعلان الجديد الحرفي، فإن "الإعلانات الدستورية والقوانين والقرارات السابقة الصادرة عن رئيس الجمهورية منذ توليه السلطة في 30 حزيران (يونيو) 2012 تكون نهائية ونافذة بذاتها غير قابلة للطعن عليها بأي طريق وأمام أية جهة. كما لا يجوز التعرض لقراراته بوقف التنفيذ أو الإلغاء. وتنقضي جميع الدعاوى المتعلقة بها والمنظورة أمام أية جهة قضائية".
أي دكتاتور في العالم يمنح نفسه أكثر من ذلك؟! الرئيس المخلوع، حسني مبارك، لم يفعل ذلك، وقد لا يكون هناك رئيس في أي مكان منح نفسه هذه السلطة المطلقة فوق القضاء! لكن أنصار الرئيس مرسي يتذرعون بأنها سلطة مؤقتة إلى حين إنجاز الدستور وانتخاب مجلس الشعب الجديد، وتهدف إلى حماية الثورة وتسريع المرحلة الانتقالية التي تعاني من الدعاوى القضائية المعطلة لقرارات الرئيس. لكن بهذه الصلاحيات خلال الفترة المؤقتة، يمكن للرئيس أن يفعل كل ما يلزم لبناء سلطة دكتاتورية دائمة، بما في ذلك صياغة دستور جديد تنفرد به جهة واحدة، هي الإخوان والسلفيون بعد انسحاب جميع القوى والتلاوين الأخرى القومية والوطنية والديمقراطية والليبرالية، وكذلك انسحاب ممثلي الأقباط، واستقالة القبطي الوحيد على مستوى القيادات الأولى في الدولة، أحد مساعدي الرئيس مرسي، وذلك احتجاجا على توجهات الإخوان لفرض رأيهم ورؤيتهم المنفردة للدستور، ثم احتجاجا على إعلان مرسي الدستوري نفسه.
لطالما شهد تاريخ الثورات من أجل الحرية انقلابات دكتاتورية تحت شعارات ثورية. وهو مصير قد تنتهي إليه أكبر ثورات الربيع العربي إذا مر إعلان مرسي الدستوري، وتبعه ما هو مقدر من ترتيب أمور الدولة وصياغة الدستور الجديد برؤية أحادية، تتنكر لمشروع الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة. وفي مطلع التسعينيات، كانت جبهة الإنقاذ الإسلامية في الجزائر تعلن قبول الديمقراطية لمرة واحدة، تكسب فيها الانتخابات ثم تقيم حكم الله؛ فبادر العسكر إلى قطع المسار الانتخابي، ودخلت البلاد في صراع دموي رهيب.
لقد التحق الإخوان بالثورة، واستمروا معها تحت شعارات الحرية والديمقراطية والعدالة، وليس أي عنوان آخر. ولم أر في نجاحهم في الانتخابات اختطافا للثورة أو خريفا للربيع العربي، بل نتيجة طبيعية للديمقراطية التي يجب أن تعطي حق الحكم للأغلبية، وقد كانوا هم الأغلبية في أول انتخابات ديمقراطية. لكن الاستدراك الشرطي هو التزامهم التام بمبادئ الديمقراطية والتعددية، ونبذ أي ميول أو شهوات شمولية كانت في صلب رؤيتهم القديمة للدولة والمجتمع.
إعلان مرسي الأخير يمثل حرفيا ما كنّا نخشاه. ويجب أن يعرف الإخوان أنه امتحان خطير للثقة بولائهم لمشروع الربيع العربي الديمقراطي، ليس في مصر فقط بل في كل المنطقة.
(الغد)