الناظر المقارن لكتاب التكليف السامي للحكومة الجديدة مع كتب تكليف سابقة، يجد ان كتاب التكليف خلا من الإشارة إلى ضرورة انجاز قانون انتخاب جديد، وهو ما طُلب من أربع حكومات سابقة في كتب التكليف السامية. كما يرى المدقق في كتاب التكليف أن نصاب الحديث عن الاقتصاد والاجتماع جاء في مقدمة أولويات الحكومة الجديدة، التي رسم معالمها كتاب التكليف السامي مولياً الشأن المحلي أولوية ملحوظة، في ظل حديث طال سابقا عن تنمية سياسية ناجزة ومشاركة سياسية فاعلة، والسؤال هنا: هل يمكن للمواطن ان يمارس مواطنته بشكل سليم من دون رعاية صحية جيدة وسكن ملائم أو تعليم محترم ليس فيه طبقية؟الارتداد إلى الاقتصاد والاجتماع كأولوية راهنة ومقدمة، يدل على ان الاصلاح السياسي يحتاج بنية تحتية متماسكة في عيش المواطن، فما فائدة الحزبية والمواطن يشكو من انعدام التساوي في الفرص، وما فائدة الحديث عن اقتصاد معرفي في ظل عدم توافر مقاعد في غرف صفية نائية؟ من هنا جاء كتاب التكليف ليؤكد على أن أي اصلاح لا ينضج من دون تحديث بنى الاجتماع والاقتصاد لدولة قطعت شوطا في المبادرات التي ظل عليها ان تتحول إلى نتائج ملموسة على أرض الواقع.
ما بين الاقتصاد والاجتماع تظهر الأهمية الكبيرة في كتاب التكليف للمعرفة التي من المفترص ان تكون قد قطعت شوطا كبيرا في التحديث، وللحق فإن وزارة التربية انجزت تقدما ملموسا في مستوى المناهج وتحديثها، لكنها في ذات الوقت لم تستطع ان ترقى بحياة المدرس، وهنا كيف لمعلم لا يملك السكن المناسب ان يعطي طلبته ويحدثهم عن العدالة والتقدم والنهوض وأن نهضة الامة متعلقة بإنجاز الدولة للحاجات الضرورية؟
وما حدث في التربية والتعليم حدث في التعليم العالي، فالطموحات والتشريعات كانت في جهة والواقع في جهة أخرى، لذا يظهر من كتاب التكليف أن لجنة عليا ستتولى مهمة الاشراف على تطوير قطاع التعليم العالي وتحديثه، بعد أن ظهر أن مجلس التعليم العالي ووزارة التعليم لم يؤديا التحديث المطلوب، ليس لعلة في الاشخاص بل في السياسات والاستراتيجيات.
أمام الحكومة الجديدة فرصة جدية للإصلاح، إصلاح يطال العيش ومستوى الحياة ويعزز قدرات الفرد على الصمود في وجه التحديات الاقتصادية المقبلة. صحيح أنه ليس بالإمكان وضع توقعات لقدرة الحكومة على انجاز مهامها، لكن قدرات اي فريق في الانجاز ليس في انسجامة بل في تعدده واختلافه وتنوع مدارسه وإلا تحول مجلس الوزراء إلى جلسة استماع، وهنا فإن امام من يسندون التفاؤل بالحكومة بسبب تمتع غالبيتها بصفة ليبرالية، فرصة للتوقف عند السؤال هل ان تلك الصفة تمنح المجتمع وزراء قادرين على قراءة احتياجاته ومعرفة جغرافيا الفقر فيه؟
تبقى الاجابة عن ذلك موقوفة على قدرات الفريق الوزاري في تقديم برامج عمل وآليات واضحة، كي تتحول النظرة إلى الحكومة من مجرد الحماس والتفاؤل، إلى اشباع الحاجات الملموس وإنقاذ قطاعات الخدمات بحيث يشعر المواطن بها كقيمة منجزة.
لم يقيد كتاب التكليف الحكومة بأي مرجعية، واكتفى بوضع الاجندة الوطنية ووثيقة كلنا الاردن موضع الاستئناس، بحيث تكون الحاجات والأولويات المجتمعية هي مجال الاستشعار والموجه الحقيقي لخيارات العمل القادم، وهنا على الحكومة ان تجهد للحفاض على مستوى التفاؤل الذي رافق تشكيلها، بخاصة بعد الانتخابات البرلمانية التي أهدتها مجلسا نيابيا لم تتضح بعد جغرافيته، لكنه لن يكون مجلسا مناكفا على الأغلب، وهذا مجال استثمار محفوف بالمخاطر من قبل الحكومة!
أي حكومة، تحتاج إلى قرارات شعبية، كي تشيع الحب والأمل بين الناس تجاهها، وللأسف لا ينبئ المستقبل بمثل ذلك، فعلى الاردنيين ان يتقبلوا قرارات اقتصادية مقبلة صعبة، لا تستطيع اي حكومة التغاضي عنها، وهنا يبدو التحدي الكبير، تحدٍ يظل الرهان عليه محكوما بوضع برامج عمل تنقذ انهيار بعض القطاعات المجتمعية وأهمها الصحة والتعليم العالي والمياه والري والنقل..إلخ، هذه القطاعات التي لم نعد نشكو تدني الخدمات فيها بل انهيارها. هنا يكمن مربط الفرس وموطن الشعبية.
mohannad974@yahoo.com