في علاقتنا الخليجية لا معنى للمقايضة
د. اسامة تليلان
25-11-2012 12:55 PM
اصوات كثيرة في خليجنا العربي ذات وزن شعبي واعلامي وسياسي برزت في الايام الماضية عبر وسائل الاعلام تطالب بتفهم اوضاع الاردن الاقتصادية في هذه اللحظات المفصلية، وتفهم موقفه في ظل المتغيرات الهائلة في محيطه الخارجي، وأهمية عامل الوقت بالنسبة لازمته المالية.
وفي الاردن، ظهرت اصوات من ذات النوع والوزن تؤكد على الاهمية الاستراتيجية للعلاقة الثنائية بين الطرفين، على اساس انها علاقات اكبر من ان تخضع فقط لعوامل المصالح المادية المباشرة والدعم المباشر، وهذه الاصوات تجاوزت المقولات التقليدية لتفسير اهمية العلاقات الثنائية بين الاردن ودول الخليج العربي الشقيقة، وذهبت الى ما هو ابعد وأهم، عندما بدأت تتحدث بمفهوم المصلحة الحاكمة للمنطقة ودولها.
اليوم لم يعد مقبولا ان يتم تصوير هذه العلاقات الثنائية وكأنها نوع من المقايضة بين طرفين، او كأننا نتحدث عن علاقات لحظية وطارئة وقابلة للانتقال من صف الى صف، او عن علاقة بين شركات خاصة،
ولم يعد مفهوما ان يتحدث البعض عن مقايضة بين الدعم الخليجي وبين حماية الاردن لحدوده مع دول الخليج، أو مقايضة أي موقف بموقف، واذا كان هذا الاتجاه غير مقبول على مستوى الأفراد فانه مرفوض على المستوى الرسمي لما له من تبعات رسمية وشعبية.
دول الخليج العربي وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية حافظت تاريخيا على دعم الاردن اقتصاديا وسياسيا وشكلت بعدا استراتيجيا باكثر من معنى، واليوم هناك خطة خمسية بخمسة مليارات دولار لدعم المشاريع في الاردن، وهي عندما قامت بذلك لم تقايض بتصريحاتها موقف بموقف، والاردن كدوله حافظ تاريخيا على علاقات وطيدة مع دول الخليج، وفي كافة مواقفه منذ حرب اليمن عام 1962 لم يقايض موقف بموقف، واليوم وهو يقبع على البوابة الشمالية لمنطقة الخليج فانه يمارس دوره كدولة عليها حماية حدودها ورعاية مصالحها العليا في وجود دول قوية ومستقرة الى جواره. بل ان التداخل بين الاردن وبعض دول الخليج بات اكبر من التداخل بين بعض دول الخليج ذاتها.
العلاقات الاردنية الخليجية علاقات تاريخية ومتداخلة، وليس من الدقة ان يحاول البعض ان يفسرها كعلاقات مصيرية مشتركة فقط من منطلق عوامل فرعية مثل الخبرة والايدي الاردنية ووقوع الاردن على بوابة الخليج الشمالية او المساعدات الخليجية للأردن والسوق الخليجي في استيعاب الايدي الاردنية، بل ان ما يشكله امن واستقرار كل دولة من مصلحة عليا للدول الاخرى هو من يفسر سبب وجود كل العوامل الفرعية السابقة.
هناك جملة من الروابط المصلحية وغير المصلحية مباشرة وغير مباشرة بين هذه المجموعة من الدول تدفع بالأفق السياسي والامني والاقتصادي الى التقارب الاستراتيجي مثلها مثل غيرها من التكتلات الدولية الاخرى، وهناك شعور بالمواطنة العربية المشتركة بين شعوبها، يعزز الاحساس بالمسؤولية الجماعية المشتركة وبوحدة مصدر الالم والامل.
هذه المرحلة باتت ضاغطة على كافة الاطراف، وقبل ان تتزايد وتيرة التهديدات الخارجية غير المسبوقة، فإنها لا تقتضي الاهتمام بتناول هذه العلاقات عبر وسائل الاعلام بقدر ما تقتضي اجراء عملية مراجعة شاملة للمصالح العليا المشتركة وتشخيصها بين الاردن ودول الخليج في كافة القضايا، ومن بينها سبل خروج الاردن من ازمته الاقتصادية الراهنة وسبل حل مشكلة الطاقة المزمنة.