نصف المجتمع! .. لكنها مظلومة
جهاد المنسي
25-11-2012 03:38 AM
استنزفنا مداد القلم ونحن نقول صبح مساء، إنهن نصف المجتمع، ولم نترك محفلا دوليا أو عربيا أو محليا إلا وأسمعناهن النغمة عينها، وعزفنا لهن على الربابة ذاتها، وأحيانا تدب الحمية في البعض ليقول إنهن أكثر من ذلك.
استهلكنا مكنون بطون الكتب ونحن نؤكد ذلك، وبات اللسان يعرف ما سيغرد به صاحبه إن تعلق الأمر بالمرأة وحقوقها، ويعرف أنه سيجود بكلام عن حقوق المرأة وقيمتها في المجتمع، كلام لا يقدم شيئا، ولكنه يؤخر كثيرا.
كل الكلام عن حقوق المرأة، ووصفها بـ"نصف المجتمع"، وأنها "مدرسة"، و"تهز العالم بيمينها والسرير بيدها الأخرى"، وأنها "الأم والأخت وزميلة العمل، والنائب والعين والوزيرة والسفيرة، والزوجة الحبيبة... وأنها... وأنها.... استهلكناه، وباتت أغلب السيدات يحفظنه عن ظهر قلب، وبالتالي لم نعد بحاجة لذكره في المؤتمرات، والخطابات الصماء وبطون الكتب، والأبحاث العقيمة.
أعتقد أننا لا نحتاج لذكر موشحات دائمة عن حقوق المرأة، ودورنا في الحفاظ على تلك الحقوق، واستذكار أين وصلت مكانة المرأة في المجتمع، فكلها كلمات إنشائية لا تعكس حقيقة الأمر أو واقع الحال، وكل ما يقال مساحيق تجميل.
لست متشائما، ولا أنظر لنصف الكأس الفارغة، كما يمكن أن يقول بعضهم، ولكن دعونا نتصارح، نحن جميعنا نقول ولا نفعل، نتحدث كثيرا ونفعل قليلا، يلهج اللسان بالكلام عن حقوق المرأة، ولكننا في الحياة العملية نمارس أقسى درجات التسلط والفوقية، وهضم الحقوق السياسية والإنسانية.
بما أننا نتحدث عن حراك إصلاحي جمعي كلي، يشمل كل جوانب الحياة، فلا ضير من أن نقف أمام الواقع، لنكتشف حقيقة ما نقول وما نؤمن به، وحقيقة ما يقوله لساننا، ولكننا نمارس عكسه من خلال موافقتنا على تشريعات وقوانين تساهم في إبعاد المرأة عن دائرة صنع القرار، والأمثلة في هذا الاتجاه كثيرة أبرزها قوانين الأحوال الشخصية والمدنية، والعقوبات، وموقفنا من اتفاقيات دولية تتعلق بالمرأة، وعدم موافقة حكوماتنا عليها لأنها تعطي حرية أوسع واشمل للنساء.
حقوق المرأة ضائعة بين حكومات خائفة ومرعوبة، وجهات أخرى تعتقد أن التعامل مع المرأة كالرجل يخل بميزان الشرع ولا يستقيم، وهؤلاء أنفسهم يأخذون ما يعجبهم من شرعة حقوق الإنسان ويتركون مالا يعجبهم، ومع قوى محافظة لا يطيب لها أن يكون للمرأة قول وفعل وحضور.
فلطالما استمعنا لخطابات حكوميين عن المرأة، ودورها في المجتمع، ولكن عند التطبيق البسيط ترفض حكوماتنا إعطاء المرأة حق منح جنسيتها لأبنائها إن كانت متزوجة من أجنبي، فيما ترفض جهات أخرى راديكالية أن ترفع الحكومة تحفظاتها على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)، فعن أي حقوق للمرأة يتحدثون؟!.
المرأة ليست بحاجة لكلام في الهواء لا ينعكس عليها بأي مردود ملموس، كما أنها ليست بحاجة لمساحيق تجميلية لتزويق حضورها كـ"الكوتة" النسائية في البرلمان والبلديات وفي الحكومة، وإنما بحاجة لقناعة راسخة بدورها في المجتمع، يدلَل عليه من خلال تعديل كل القوانين والأنظمة التي تخصها.
الكلام عن حقوق المرأة لا يرتبط بالرجل فقط، وإنما يطول المرأة أيضا، فلطالما أسمعتنا سيدات كلاما كثيرا عن حقوق المرأة ودورها في المجتمع، وعدم صدق المجتمع في التعامل معها من حيث الحقوق والواجبات، ولكنهن عند أول تجربة يُسقطن كل القيم التي تحدثن عنها.ما سبق ليس دعوة للنساء للتمرد أو الخروج على الأعراف والقيم، إذ إن حرية المرأة لا تعني الخروج عما هو موجود في المجتمع، ولكنها دعوة لمن يقول إن المرأة نصف المجتمع أن يفعل ذلك، وينفذه ويؤمن به من خلال الممارسة وتغيير ما نلقن به جيلنا الناشئ، والخروج من عباءة بابا يقرأ الجريدة ماما تطبخ، باسم يلعب رباب تساعد ماما.
الغد